اعرف نبيك (3).. رأفة النبي محمد في الحرب

إسلاميات

بوابة الفجر

عمت رأفة ورحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كل شئ، وغلب طبعه الرحمة والمغفرة في كل شؤون حياته، حتى في الحرب وفي الغزوات التي خاضها النبي محمد مع أصحابه رضوان الله عليهم.

 

غزوات الرسول


ذكر أهل العلم عدد غزوات النبي فقالوا خمس وعشرين غزوة وسبعين سرية، هذه الغزوات والسرايا التي شارك فيها حتى أورد الحافظ في الفتح في آخر كتاب المغازي الخلاف، ثم رجح أنه أكثر من مائة غزوة وسرية، وساق الأدلة والبراهين على ذلك، وليس المقام مقام بسط، المطلوب أن نعرف عددها، وهي أكثر من مائة غزوة وسرية على مدى عشر سنوات والسؤال الذي يفرض نفسه: كم قتل النبي بيده الشريفة في هذه الغزوات والسرايا المائة، التي لم تقم بعضها إلا من أجل قتله وقتاله ربما ستندهش -أيها القارئ الكريم- بالرقم الصعب.


نعم رجل واحد فقط، ولم يرد النبي قتله، أيضا بل هو من تعرّض للنبي، ويصيح بالناس في المعركة في أحد لما انكشف المسلمون يوم أحد، قام أبي بن خلف وهو يصيح بأعلى صوته شاهرًا سلاحه يقول أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا، فاستأذن أصحاب النبي رسول الله في أن يخر عليه أحدهم فيقتله، فقال: دعوه، فلما دنا تناول رسول الله الحربة فطعنه بيده الشريفة فكانت سبب موته.



والنبي كان أكمل الناس في هذه الشجاعة؛ التي هي المقصودة في أئمة الحرب، ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد، ولم يقتل بيده أحدا لا قبلها ولا بعدها.
 

خسائر الحروب


وتعالوا لنعرف عدد القتلى في غزوات النبي وسراياه من المسلمين والمشركين، فقد أثبت بعضهم أن العدد يتراوح من (625) إلى (1018) قتيل كأقصى حد متصور من كلا الطرفين.


وبعضهم يرى أن عدد القتلى من المسلمين (236) رجل قتلوا في معارك على مدار عشر سنوات، وأما عدد المشركين (625) ليصبح مجموع العددين (861 ).[5]

الثابت أنه لم توجد امرأة مقتولة في معارك النبي ﷺ إلا واحدة، وهي التي كانت في حنين، ولها قصة ليس هذا وقت بيانها.
 


حفظ النساء في كل معارك النبي
 


لم يعهد قتل أي شيخ كبير في معارك النبي إلا دريد بن الصمة؛ الذي شارك في غزوة حنين، وكان الخبير العسكري لجيش المشركين، حيث كانوا يصدرون عن رأيه، وقد قتلته إحدى سرايا النبي عند ملاحقتها لفلول الفارين، فعلم النبي بمقتله، ولم ينكر ذلك؛ لأنّه بمثابة المخطط والمدبر لهم.

عدد حالات الغلول أو النهب من المال العام لم تتجاوز عدد قبضة اليد في كل معارك النبي، وهذه الحالات تم رصدها ومعاقبة مرتكبيها. 

إذن فمجمل الخسائر في الأرواح على مدى العشر سنوات كان في أقصى حدودها ألف وخمسمائة مقاتل من فريقي النزاع، وقياسًا مع عصرنا الذي تزخر فيه المنظمات الدولية الداعية لأخلاقيات الحرب وحقوق المدنيين ومنظمات الحياد المسلح وحقوق الإنسان، نجد أن كل قتلى العهد النبوي لا يساوي قتلى أسبوع من أسابيع دولة فلسطين من المدنيين فضلًا عن المقاتلين، بل أحيانًا لا تساوي قتلى قنبلة واحدة من تلك القنابل التي تزن الأطنان التي تلقى في فلسطين أو غيرها.

 

جيش النبوة



إن الإحصائيات السابقة تشير صراحة إلى أن الجيش على هدى النبوة يخضع لتعاليم السماء؛ التي مُلئت نورًا وقداسةً، ولا يخضع لنصوص قانونية سرعان ما تتحول لسراب عندما تصادم الواقع، وهناك فرق بين التنظير وبين حقيقة الواقع، ومن هذا الوجه يمكن القول أنه لم توجد حروب في كل التاريخ البشري كانت بهذا الحجم القليل من الخسائر على مستوى الأرواح أو على مستوى الممتلكات، ومن يدعي غير ذلك فيأت بأثارة من علم إن كان من الصادقين.

قلة الخسائر تشير إلى أن هناك مبادئ مقدسة كان يخضع لها الجيش، وقانونًا عادلا يحكمها يختزله الغزالي بقوله: إن مقصود الشرع تقليل القتل، كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل.