وزارة الثقافة «للخلف در» (1)

سعد نبيل يكتب: ماذا يحدث داخل وزارة الثقافة؟.. حافظوا على التراث والهوية المصرية

مقالات الرأي

 الكاتب الصحفي سعد
الكاتب الصحفي سعد نبيل

لا أحد ينكر أن وزارة الثقافة، هي منبر من منابر الوعي والإدراك وإعادة تشكيل الشخصية وبناء الإنسان داخل الدولة المصرية، تشبع القلوب وتنير العقول، فكل خطوة داخل هذا الصرح العظيم لها حسابات مختلفة، وتفاصيل دقيقة يراعيها كل من يدير هذه المنظومة.

 

 

ما نتحدث عنه الآن ليس هجومًا ضد أحد، أو اتخاذ جانب انحيازي لشخص بعينه، ولكن ما نرصده هي تفاصيل هامة حدثت على أرض الواقع وأصبحت تهدد هذه المنظومة الكبيرة، بعدما غادرت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وجاءت ورائها الدكتورة نيفين الكيلاني لتتولي المسؤولية.

 

 

لقد شاهدت بعيني العديد من الفعاليات والأنشطة الناجحة التي التف حولها الآلاف من المصريين في العديد من المحافظات والتي كان من شأنها الترويج السياحي والأثري بالقوى الناعمة المصرية من خلال تعاون حدث بين وزارات الثقافة والسياحة والآثار، ورصدت خلال هذه الفعاليات احتضان الدولة المصرية لأبنائها في صعيد مصر والوجه البحري ومدن القنال، وكان لها بالغ الاثر في تنمية الوعي السياحي والثقافي، وكانت إحدى سبل المقاومة للفكر المتطرف والإرهاب، وهو أحد أهم أدوار وزارة الثقافة التي أنجبت العديد من قادة الرأي والفكر والفن والأدب.

 

 

فبعد أشهر قليلة من تولي الدكتورة نيفين الكيلاني مقاليد الوزارة، باتت الازمات تتفاقم من الداخل والخارج. وجاءت الأزمة الأولى التي كانت أمام أعين الجميع، هي السؤال عن سر إلغاء الكثير من الفعاليات الفنية والثقافية، التي كانت بوابة كبيرة لاحتضان المواطن والأسرة المصرية البسيطة، وهو الدور الذي تضعه الدولة المصرية ضمن أولويات استراتيجياتها في تحقيق العدالة الثقافية، من أجل تنمية أفكار المواطن المصري وتغذية عقوله، وحمايته من الأفكار المتطرفة. لكن انقلب الأمر رأسًا على عقب، ليتم إلغاء هذه الفعاليات دون مبررات واضحة.

 

 

لكن الحديث يطول عندما ندخل في مقارنات بين العهد السابق والحديث، ليصل الأمر إلى تخبط وارتباك شديد يضرب المنظومة الثقافية والفنية في مصر بقرارات عشوائية وغير مدروسة، ليبدأ مسلسل الانهيار داخل المنظومة الثقافية وتشتعل الأزمات داخل المؤسسات الثقافية، بداية من اختفاء 6 مجلدات لجريدة الوقائع المصرية بدار الكتب والوثائق، والتي تعد جزءًا هامًا من تاريخ مصر الثقافي، إلى الأزمات المتلاحقة في مسرح الدولة، وكان آخرها المؤتمر الذي حضرته وزيرة الثقافة.

 

وأعلن إقامة عرض مسرحي لمدة 15 يومًا على خشبة المسرح القومي في شهر رمضان يتناول مسيرة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وهو الأمر الذي نفته الوزيرة في مداخلة متلفزة في أحد برامج التوك شو، وهذا نتاج طبيعي للتخبط الإداري داخل أروقة الوزارة بإصدار قرارات وزارية وإلغائها بعد التأكد من عدم قانونية وضعها.

 

ومنها إلى اختفاء دور المركز القومي للترجمة، وتراجع دور أكاديمية الفنون، وتجميد نشاط المركز القومي للمسرح، وتحول دور الهيئة المصرية العامة للكتاب إلى مجرد دار نشر تبتعد عن دعم الناشرين والكتاب من الشباب، وتقزيم دور البوابة الأهم للفن المصري والعربي (دار الأوبرا المصرية) للتحول إلى مجرد مكتب متعهد للحفلات، وتشهد ظاهرة هروب جماعي للفانين المصرين إلى دول الخليج العربي، وتحويل دور المجلس الأعلى للثقافة إلى مجرد مبني يضم مكاتب وقاعات دون أي فعاليات أو أنشطة تذكر.

 

ونتحول في الحديث إلى وزارة ثقافة الغلابة ممثلة في هيئة قصور الثقافة التي أصبحت بلا دور نهائيًا، والتي تعد المنظومة الأكبر والأخطر في وطننا العزيز مصر، نظرًا لامتدادها الجغرافي وما تضمه من ثروة بشرية هائلة من المبدعين شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، وأصبحت الهيئة تكتفي ببيانات إعداد للأنشطة دون أثر ثقافي على أرض الواقع، لنجد أننا أمام تدهور مستمر ونزيف لا أحد يستطيع إيقافه.

كل هذه الأزمات كانت لها دلالات، ووضعت الكثير من علامات الاستفهام حول "طرد الكفاءات" التي كان يشهد القاصي والداني بجهودها داخل منظومة وزارة الثقافة، وهو ما تسبب في ذهول البعض، بعد الاستعانة ببعض الأشخاص الذين ليس لهم علامات مبشرة بتطوير "الثقافة والفن" وغياب الأفكار الفعالة.

 

من أكثر الأمور التي وضعت قيادات الوزارة في ورطة، وأسئلة ليس واجب الرد عليها، هي محاولة الاستغناء عن الدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والذي اعترض على القرار، ليتم الإبقاء على منصبه، وإنهاء ندب الدكتور هيثم الحاج علي ونحن على أعتاب أيام قليلة من افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، وإنهاء ندب الدكتور فتحي عبد الوهاب رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية ليختفي معه مشروع صنايعية مصر ويتفرغ للشو الإعلامي والاحتكاك بالعاملين، وأيضًا الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية الذي كان يحمل عددًا من المشروعات التي سوف يتم الانتهاء منها في 30 يونيو المقبل، وأهمها متحف سرايا الجزيرة الذى توقف العمل به لأكثر من 32 عامًا، وقريبًا سيتم التخلص من مجموعة من القيادات داخل الوزارة لتتحول وزارة الثقافة إلى بيت للأشباح، يأتي ذلك بخلاف الفضيحة الأكبر لدار الكتب والوثائق، واختفاء 6 مجلدات تراثية.

 

الأمر الأكثر حزنًا على المنظومة التي تدهور حالها على مدار 150 يومًا، هو اختفاء المشروع الأعظم "سينما الشعب"، والذي كان واحدًا من أهم مشروعات الوزارة، وانهيار فعاليات الموسيقى والغناء بالمحافظات.

 

في نهاية الأمر، نريد أن نوجه رسالة هامة، مفادها أننا لسنا ضد أحد وهدفنا هو الإصلاح والتطوير، وأن الاستثمار في العقول أهم وأرفع درجات الاستثمار، وإذا أردنا المكاسب المالية فقط فعلينا أن نذهب إلى الترند مثل (انتش واجري).

 

يا سادة، إن مصر تمتلك تاريخًا طويلًا من الحضارة والفن والثقافة تم تصديره إلى العالم أجمع، وعلينا أن نكمل ما تأسس من مشروعات ومبادرات ساهمت في عودة الثقافة المصرية إلى مكانتها الطبيعية إقليميًا ودوليًا، وأن نحترم تاريخ السابقين ونكمل ما تم بناؤه، لإن كل إنجاز يحسب للدولة المصرية وليس لأشخاص بأعينهم أو بأسمائهم.

 

والخلاصة أننا في هذا المقال نتحدث من أجل الخوف على "الثقافة المصرية" والحفاظ على هويتنا، خوفًا من العودة للخلف بعد سنوات من الاستقرار يعيشها الوطن، وهدفنا هو أن تعيش الثقافة المصرية في الجمهورية الجديدة التي يؤسس لها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتتطلب من الجميع أن يعي دوره في بناء مستقبل أفضل لهذا الشعب العظيم.. وللحديث بقية.