الدكتور محمود فوزي يكتب: كرنفال مشروعات التخرج

مقالات الرأي

محمود فوزي
محمود فوزي

ألقي الانفتاح الواسع في تأسيس كليات ومعاهد الإعلام بظلاله على تحسين مخرجات العمل، وتقديم كوادر إعلامية واعدة؛ تمتلك ذخائر اقتحام أسواق العمل المحلية والدولية، وفرض مواهبها المصقولة بالتطبيقات العملية على أرباب الأعمال، ورؤساء الشركات الإنتاجية والخدمية.

 

وعلى الرغم من بروز بعض المظاهر الاحتفالية والترفيهية بمهرجانات مناقشة مشروعات التخرج؛ إلا أنها تبدو منطقية بعض الشيء بمثل هذه الفعاليات والأحداث الخاصة التي تمثل وثيقة اعتراف صريح من الكلية بأن طالب الفرقة النهائية صار مؤهلًا على العمل الجاد، وتحمل المسئوليات المهنية، والقيام بالمهام التطبيقية؛ بعد أن نجح في استيعاب العديد من المخرجات التعليمية، والمبادئ النظرية ذات المنهج العلمي المحكم الذي يقوم بتدريسه أساتذة وخبراء مبدعون يجمعون بين الرصيد المعرفي والثقافي المتنامي، وبين وآليات التنفيذ الفعال للتطبيقات العملية.

 

هذه المهارات هي عنوان التميز البراق الذي صار مبدأً عامًا مهيمنًا على إستراتيجية التدريس الأكاديمي بكليات ومعاهد الإعلام التي قطعت أشواطًا ضخمة نحو التأهيل المهني الكامل للطالب في مختلف التخصصات؛ ذلك شريطة امتلاك الكلية رأس مال هيكلي وتنظيمي؛ تتكامل رؤيته الثاقبة مع إمكاناتها المادية من تجهيزات وموارد وبني تحتية؛ يتولى إدارتها وتطويعها موارد بشرية فعالة ومبدعة؛ تمتلك مقومات الكفاءة والمهارة المهنية الممزوجة بقيم التعاون، والإنجاز، والعمل الجماعي.

 

لم أكن منصفًا إن تناولت ظاهرة مشروعات التخرج بمعزل عن  ثقافة التميز المؤسسي والعقلية القيادية التي تؤمن بأهمية الابتكار وجودة العمل المتسق مع احتياجات وأهداف المجتمع، ويأتي ذلك عن طريق تحسين معايير تقييم الأداء وتحسين القيمة النوعية؛ لبناء الثقة بين الطلاب ومشرفي المشروعات الملتزمين بمسئوليات عملهم، والوفاء بوعودهم، وحرصهم المتلاحق علي تنمية قدراتهم وخبراتهم، وتحسين مهاراتهم العملية، فضلًا عن تغليب الأهداف المشتركة للمشروع على الاهتمامات الشخصية، والسعي الدائم نحو تجاوز مشكلات العمل التي قد تنشأ بين الطلاب، وإرساء ثقافة العمل الجماعي المشترك، وتغليب المصلحة العامة لاهداف المشروع؛ حتى وإن اختلفت الآراء.

 

ومن واقع عملي الأكاديمي بإحدى كليات الإعلام؛ فقد قادتني خواطري الفكرية نحو طرح تساؤلات عدة حول من أين أتي الطلاب في هذا العمر المبكر بهذا المزيج الإبداعي النادر القادر على محاكاة الواقع؛ بل وطرح حلول واقعية لقضايا عصرية في سياقات درامية مثيرة؟ وكيف امتلكوا هذا الرصيد المتنامي من الفهم والإدراك الدقيق لمنهجيات البحث العلمي كي يستنبطوا توصيات مبتكرة لحملاتهم التوعوية المتسقة مع مبادئ التخطيط الإستراتيجي مع هيئات المجتمع؟.

ومن أين أتى طلاب قسم الصحافة المطبوعة والإلكترونية بأفكارهم الخلاقًة في صحفهم ومنصاتهم الرقمية الداعية لبناء فكري إعلامي؛ يلتزم بأخلاقيات المهنة، ويطور قوالبها الإعلامية، بل ويسخرها في رصد وتحليل ومعالجة مشكلات النظام الاجتماعي؟.

 

لقد تركت هذه التساؤلات لدي أثرًا مرهفًا؛ دفعني إلى كتابة هذا المقال؛ كي أعبر عن موعد اللقاء المرتقب بنهاية كل عام دراسي، والذي يجلس فيه الأستاذ الجامعي سعيدًا بمشاهدة مفردات الإبهار الطلابي الممزوج بتوليفة نادرة من جودة الإنتاج الإعلامي القادر على غزو أسواق العمل؛ بأروقة أصعدتها الإعلامية المتباينة.