عمرو أسامة يكتب: والنبي اديله فرصة ثانية !

مقالات الرأي

بوابة الفجر

البداية كانت داخل مستشفى خاص أثناء زيارة أحد الأقارب وبالتحديد في قسم العناية المركزة، وبعد الاطمئنان على الحالة من الأطباء وأنها أصبحت شبه معافاة وجاهزة للخروج في أقرب وقت، بدأ كل الزائرين من العائلة يتهامس في أذن الآخر بكلمات الحمد والشكر لله على تمام الشفاء وأنه سيستكمل المرحلة الأخيرة من العلاج بالمنزل وسط أبنائه ومحبيه.

 

المشهد الأول: "هو في إيه؟!"
إلى هنا كانت الأمور تسير بشكل جيد، حتى ذاع الصراخ فجأة من الناحية الأخرى في نهاية الطرقة التي تنتهي بالمصعد الخاص بالمستشفى، فانتبه كل الحاضرين لصوت "أجش" لأحد رجال الإسعاف زلزل قلوب كل الحاضرين من زائري الحالات يقول "كل اللي في الطريق يوسع واندهوا الدكاترة بسرعة" ويجر في يده سريرًا يستلقي عليه رجل في العقد الخامس من العمر مغشيا عليه.


خليط من علامات الاستفهام والتأثر والرعب يظهر على وجوه الحاضرين مع التزام الصمت وتنفيذ "أوامر" رجل الإسعاف، فمن كان يملك أن يجري من مكانه فعل ومن لا فكان يلتصق بالحائط وكأنه لوحة مطبوعة ثلاثية الأبعاد ليفسح الطريق، مع التزام الصمت التام فالميكروفون الآن في يد الأطباء والتمريض فقط.

 

المشهد الثاني: "العاصفة"
حضر الأطباء من جميع الاتجاهات وبدأ الصراخ بمصطلحات طبية باللغة الإنجليزية مع توزيع أدوار لممرضي العناية المركزة لتحضير أدوات التدخل السريع لإنعاش القلب، حينها كان المشهد أشبه بعاصفة شديدة ضربت حقيبة تحمل في طياتها حزمة من الأوراق فطرحتها أرضا وشتت كل ما بداخلها يمينا ويسارا.

 

المشهد الثالث: "الإنعاش"
الكل تجمع حول الحالة "الأطباء والممرضين" وبدأت المعركة بينهم وبين "الموت"، الكل في موقعه حاملا سلاحه، فالقائد "طبيب الطوارئ" يتكئ بكفيه على قلب المريض محاولا بكل ما أتاه الله من قوة أن ينعشه ويعيده للعمل بالضغط عليه حتى كاد أن يتوقف قلبه هو من التعب، والجنود من "التمريض" يجوبون حول المريض حاملين حفنة من الأدوية لمساعدة قائدهم بإدخالها إلى القلب، كل هذا وأنا أترقب من بعيد متصببا عرقًا معهم وكأنني لم أرَ مثل هذا المشهد الذي تكرر في أفلام السينما.

 

المشهد الرابع: "الهزيمة"
بعد محاولات مضنية ظل فيها القائد مرارا وتكرارا تشجيع جنوده على الفوز بالمعركة، سبق الموت بسيفه وانتصر عليهم، هنا خرج القائد وجنوده بعلامات الحسرة مطبوعة على وجوههم وسط سؤال يراود كل الحاضرين "هو مات؟"، ولكن لا يقدر أحد أن يتفوه به لهم لما يظهر عليهم من علامات الغضب.

 

المشهد الخامس والأخير: "المواجهة"

هذا المشهد هو الأصعب على الإطلاق حتى أن يدَيَّ ترتعشان وأنا أكتبه كمسن لا يقدر على حمل كوب من الماء ليروي ظمأه، وهو دخول الأبناء مسرعين لمكان الحالة ليجدوا آخر رجال التمريض خارجا من أرض المعركة منكسا رأسه وغارقا في عرقه متفوها بـ "البقاء لله"، ومن هنا كان عنوان المقال الذي تقرؤونه حين وضعت ابنة الحالة يدها على صدر هذا الممرض وقالت له "والنبي حاول تاني واديله فرصة تانية"، فكان الرد "للأسف عملنا اللي علينا والله"، عاد الصراخ مرة أخرى ولكن هذه المرة كان ممتزجا ببكاء يعصر القلب، جعل بعض الحاضرين يدخلون معها في نوبة من البكاء.

حينها أدركت أن هناك نوعين من "الفرص"، الأول لا يأتي إلا مرة واحدة مثل الفرصة التي تحدثت عنها، والتي كانت عبارة عن "حياة" أعطاها الله لأحد خلقه لمدة زمنية لا يعلمها إلا هو -عز وجل-  واستردها منه اليوم، كما سيحدث معي ومعكم باختلاف الوقت والمكان فالموت حق علينا جميعا، والنوع الثاني فتمتلئ به هذه الحياة في طياتها مع إمكانية تكراره... فعلى سبيل المثال "العمل" فرصة لتحقيق الذات وكسب المهارات والمال... "الزواج" فرصة لتكوين أسرة واستقرار اجتماعي، العديد والعديد من الفرص لديك، منها من يأتي إليك على طبق من ذهب ومنها التي تحتاج البحث والعناء لإيجادها، فأحذر أن تضيع منك في كلتا الحالتين.