معجزة المصريين في الجنوب.. "الفجر" في جولة داخل مشروع توشكى

أخبار مصر

مشروع توشكى
مشروع توشكى

يقع مشروع "توشكى الخير" فى منطقة توشكى جنوب أسوان، وكانت فكرة إنشاء المشروع بهدف خلق وادى جديد في الصحراء الغربية على مساحة 540 ألف فدان، وتصل في المستقبل إلى مليون فدان، موازٍ لوادي النيل، وبلغت تكلفة المشروع 6.4 مليارات جنيه، وتم البدء فيه في أكتوبر 2020 وقد تم زراعة 30 ألف فدان قمح خلال أول 3 أشهر من بداية المرحلة الأولى، إضافة إلى إنهاء تجهيز نحو 100 ألف فدان قابلين للزراعة، وجارى تجهيز 100 ألف فدان أخرى بنهاية العام الجارى.

ويوضح المسؤولين أنه في إطار إعادة إحياء المشروع تم حفر وتبطين ترع بإجمالي طول 19،8 كم وجاري حفر ترع بطول 18،2 كم، وتم إنشاء عدد "52" محطة طلمبات تضم "219" طلمبة لضخ المياه لأجهزة الري المحوري وجارٍ إنشاء العديد من المحطات الأخرى، كما تم مد شبكات رى بإجمالي أطوال 420 كم "بأقطار تتراوح من 180 مم إلى 1200 مم" إضافة إلى 670 كم جاري تنفيذها لتصل أطوال شبكة الرى إلى 1090 كم، إلى جانب توريد وتركيب وتشغيل "497" جهاز ري محورى بمناطق الأسبقية العاجلة واستكمالها لتصل لنحو "800" جهاز للمرحلة الأولى، كما تم إنهاء 415 كم من شبكات الطرق الرئيسية والمدقات ويتم حاليًا تنفيذ 677 كم أخرى من إجمالي 1092 كم المستهدفة. إضافةً إلى الانتهاء من تنفيذ جميع أعمال الكهرباء لتغذية محطات الطلمبات وأجهزة الري المحوري متمثلة في عدد "2907" برج هوائي بإجمالي 650 كم هوائيات، وأيضًا وصول شبكات السكة الحديد.

ويتضمن المشروع  حسب المسؤولين  إنشاء عدة مصانع لتعبئة وتغليف الحاصلات الزراعية، كما يستهدف خلق مناطق جديدة بمصر، مجهزة وممهدة بشبكة طرق جديدة، للربط بين مدن صعيد مصر والتجمعات السكانية، لزيادة فرص العمل وتشغيل الشباب والخروج من الوادي الضيق، وسد العجز بين الإنتاج والاستهلاك.

"الفجر " داخل مزرعة النخيل وترصد جني التمور

في الخامس عشر من مارس 2019 شاهد المصريون الرئيس عبدالفتاح السيسي يغرس شجرة نخيل رفقة عدد من وزراء الحكومة آملين فى الله خيرًا بأن تكون باكورة الخير لتلك المزرعة المخطط لها أن تكون الأكبر في العالم، وها نحن اليوم وبعد مرور 4 سنوات أتى وقت الحصاد.

أشجار نخيل مستوى النظر لا يصل لنهايتها، بتنسيق وترقيم دقيق، وعناية فائقة ومسافات بينية بالمقاس، وتتدلى منها أسبطة التمر بصنوفه وأشكاله بعدما بات جاهزًا وحفظه العمال المزارعين بربط أكياس بلاستيكية ونايلون حول تلك الأبسطة لكي لا تتضرر من الطيور أو الحشرات.

العمال يفتحون الأكياس ويرصون الأقفاص البلاستيكية بنظام ومهمة اعتادوا عليها وخلفهم يقف مشرفين للاستشارة إذا ما طرأ  شىء يحتاج المراجعة، ليس ذلك فقط ولكن فى وجود مهندس رزراعي متخصص من معهد البحوث الزراعية للنخيل يتابع كل شىء ويشرف عليه أيضًا لا سيما أن بروتوكول تم توقيعه بين الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية وبين المعهد للتعاون بينهما بوجود مهندس مقيم أسبوعيا لمتابعة الزراعات.

تحدثت "الفجر" مع أحمد محمد على وهو عامل ضمن عمال الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراض الصحراوية، يبلغ من العمر 27 ربيعا، ويقيم فى محافظة أسوان، ويعمل منذ 4 سنوات فى الشركة بمزرعة نخيل توشكا، يوضح أن شهد مراحل المزرعة منذ كانت صحراء حتى أنتجت محصولها لافتًا إلى أنه لن يشعر أحد بمثل ما يشعر به من سعادة إلا إن كان فلاحا ويدرك قيمة الأرض والزرع فهو الشعور الأفضل على الإطلاق.

أحمد أضاف أثناء جنيه التمر أن الشجرة الذي يعمل بها صنفها من نوع "خلاص" وأشار بيده إلى نخلة أخرى على بعد أمتار بأنها من نوع "مجدول"، وأنه يتقاضى 8 آلاف راتبًا وهو مالا كان يتحصل عليه سابقا من أي عمل كما أنه بات قريبا من أسرته وهو الأمر الأهم الذي جعله يكن مرتاحا، مشيرًا إلى أنه عمل فى السابق فى الزراعة قبل الانضمام لتوشكى وعمل بصناعات عدة لكنه وجد راحته فى هذا العمل باعتباره أيضًا خدمة للبلد وفخور بما يفعله.

وأشار أحمد إلى أن شجرة النخيل الذي يجني فيها يتراوح إنتاجها بين 80: 100 كجم من التمر، وهنا تدخل أحد المهندسين  الزراعيين أحمد مدحت من مركز بحوث الصحراء ومسؤولا عن متابعة الزراعة في مزرعة النخيل مفيدًا بأن المزرعة بها ١.٧ مليون نخلة وجاري زراعة ١٧ ألف فدان آخرين من النخيل والتوسع به، لا سيما أن لديهم ٣٦ صنف نخيل منزرع، و١٢ صنف مستحدث تم استحداثهم واختبارهم بمركز البحوث وهم من توشكى 1 إلى توشكى 12 وسيتم زراعتهم فى الفترة المقبلة بعد الإعلان عنهم وكشف المهندس أحمد أن أشهر أنواع التمور بمزرعة توشكى هم "البرحي" و"المجدول" و"الشيشي" و"السكري" و"الخلاص".

فى مدخل المزرعة ظهر لنا النخلة الذي زرعها الرئيس عبدالفتاح السيسي بيده قبل أعوام ويجلس تحتها فارس عبدالله وهو شاب ينتمي إلى مدينة إسنا بالأقصر يجمع التمر منها بزهو وفخر قائلًا "أي حد بيشكك فى توشكى مشر هنرد عليه ونقوله غير يا ريت يجي يشوف بعنيه" مستطردا "يجي يشوف الخير" ورفع حفنة من التمر الحصاد ثم عاود رصها من جديد، موضحًا أنه فخور بأنه المسؤول عن جني تمور النخلة الذي زرعها الرئيس السيسي بيده وأنه سيروي ذلك لأسرته لتكون ذكرى جيدة فى حياته.

وبحسب تقرير رسمى لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى فإن مزرعة نخيل التمر بتوشكى بمحافظة أسوان، تعد أكبر مزرعة نخيل مزروعة في مساحة واحدة في العالم، مما جعلها تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

وأوضح التقرير أنه يتم فى هذه المزرعة زراعة 2.5 مليون نخلة على مساحة 38 ألف فدان، وجميع الأصناف المنزرعة فيها ذات عائد اقتصادي مرتفع، وهي أصناف عربية على السبيل المثال: "المجدول والبارحي والخلاص والسكري والعنبره وعجوة المدينة والصقعي ونبتة سيف والشيشي والشبيبي"، كما يتم حاليا إنتاج التمور ذات القيمة التسويقية المرتفعة والمطلوبة لدى الأسواق الدولية، وعلى رأسها التمور المُنتَجة من المشروع القومى الخاص بإنشاء أكبر مزرعة نخيل تمر بالعالم على مساحة 40 ألف فدان بتوشكى، حيث تؤكد الإحصائيات أن هناك زيادة مستمرة وملحوظة فى عدد النخيل الكلى والمثمر تصل لـ3 ملايين و600 ألف نخلة.

وتعتبر مصر من أكبر منتجى التمور فى العالم حيث تنتج حوالى 18% من حجم الإنتاج العالمى، 25% من حجم الإنتاج العربى، حيث لديها تقريبًا 16 مليون نخلة مُثمرة بإنتاجية 1.6 مليون طن من التمور، حيث تحتل مصر المرتبة الثامنة للدول المصدره للتمور.

ومن مزرعة التمور إلى زراعات الليمون في توشكى، بأشجارها المزهرة المثمرة، والمنزرعة على مساحة١٦٠ فدان بواقع ٧ آلاف شجرة ليمون من نوعية بنزهير  وتنتج بين 80: 90 طن من ثمار الليمون.

ويعرف الليمون البلدي في مصر في مصر بالليمون البنزهير أو الرشيدي أو المالح، أشجاره كبيرة الحجم ولكنها غير مرتفعة وغير منظمة التفريع، كثيرة الأشواك والأوراق صغيرة مكتظة جلدية خضراء باهتة اللون ذات طرف غير مدبب وعنق الورقة قصير ذو أجنحة والثمرة قشرتها صفراء باهتة اللون رقيقة عند تمام النضج ملتصقة تماما بالفصوص. يتراوح عدد الفصوص من 9-10 فصوص. والبذور بالثمرة 4-6 بذرة والثمرة عصيرية والحموضة بها 7-9% ومحصول الشجرة من 2000-3000 ثمرة وقد تزيد عن ذلك ما لم تعامل الأشجار معاملة خاصة كما في التصويم فإن المحصول ينضج في يوليو وأغسطس وحتى نوفمبر. 

تنقلت "الفجر" بعد ذلك إلى مزرعة العنب، والتقينا بالمهندس أحمد محمد عبدالجليل  رئيس قسم زراعة العنب بمزرعة عنب توشكى، والذى أوضح أنه يوجد فى المزرعة ٦ أصناف من العنب منزرعة على مساحة تبلغ 200 فدان بإنتاجية بين ٦: ٧ طن من العنب للفدان الواحد.

وخلال الفترة الماضية، حظي مشروع تطوير قرى توشكى الجنوبية بتقديره كأفضل مشروع بيئي في العالم، ضمن مسابقة التحكيم العالمية لأفضل وأرقى المشروعات والإنشاءات الهندسية على مستوى قارات العالم للعام 2022، وفقًا لمؤسسة ENR الأمريكية العالمية الخاصة بالاستشارات الهندسية.

وفي مزرعة المانجو، التقينا بالمهندس عبدالسلام احمد مهندس المشرف على مزرعة المانجو، والذى أوضح أن زراعات المانجو ممتدة على مساحة ٣٢ فدان وتنتج فى الطن الواحد 8 أطنان من ثمار المانجو.

ولفت المهندس عبدالسلام أنه ولأول مرة يتم زراعة ٤ أصناف مختلفين منهم المانجو في توشكى ومن أشهرهم "شيلي" و"كينت"، لافتًا  إلى أنه جاري التوسع فى زراعة المانجو.

مدينة توشكى

لم يكن أي من تلك الزراعات والمشروعات ليكون موجودا لولا وجود مدينة توشكى الجديدة والتي تقع جنوب شرق طريق أسوان / أبو سمبل وتبعد عنه مسافة كم واحد وعلى مسافة حوالى 55 كم من الساحل الغربى لبحيرة السد العالى، كما تقع شمال غرب مدينة أبو سمبل بمسافة 90 كم، والموقع عبارة عن منطقة صحراوية يحدها من الشمال طريق أسوان / أبو سمبل ومزرعة الوليد بن طلال، وتقع ترعة الشيخ زايد جنوب مدينة توشكى على الجانب الشرقى منه.

وهي مدينة جديدة تتكامل مع القرى الريفية المحيطة بمشروع توشكى، تستوعب 80،000 نسمة وتوفر 30،000 فرصة عمل. وتضم المدينة خدمات وأنشطة ترفيهية مختلفة وصناعات خفيفة ووسائل للتصنيع الزراعي، تم تنفيذ المرحلة الأولى من توشكى الجديدة بتكلفة 500 مليون جنيه لتستوعب 17،000 نسمة و1000 وحدة سكنية، وتقع توشكى الجديدة في محافظة أسوان، جنوب شرق طريق أسوان – أبو سمبل ومزرعة الوليد بن طلال وشمال ترعة الشيخ زايد. وتبعد المدينة 55 كم من الساحل الغربي من بحيرة السد العالي و90 كم من مدينة أبو سمبل.

وتبلغ مساحة المدينة (الكردون الداخلي) 2873 فدان، ومساحة الكردون الخارجي 10992 فدان، وبها 612 وحدة ضمن مشروع الإسكان المتوسط بتكلفة: 275 مليون جنيه، كما تتراوح مساحات الأراضي الخدمية والاستثمارية في توشكى الجديدة من 252 متر مربع إلى 113،400 متر مربع.

وتشمل على  مسجد بتكلفة 5.5 مليون جنيه، ووحدة صحية بتكلفة 5.5 مليون جنيه، ومركز تجاري بتكلفة 25 مليون جنيه، ومدرسة بتكلفة 6 مليون جنيه، ومحطة مياه بتكلفة 31 مليون جنيه، ومدرسة تعليم أساسي.

يظن البعض أن الشركة تقوم بكل شىء في توشكى وأن لها الرأي الأوحد في كل شىء، إلا أن اللواء توفيق سالم رئيس مجلس إدارة الشركة كشف أن مهمتهم الأساسية هي زراعة الأراضي التى لم تزرع من قبل وهى مغامرة خطيرة، لافتًا إلى أن الله يجعلك ترس في ماكينة لتخضير أرض بعدما كانت صفراء متعة لا تضاهيها أي متعة، وأوضح أن مهتمتهم هي الإشراف ومتابعة التنفيذ فقط لأن هناك متخصصون فى الزراعة وآخرين فى البنية التحتية، إلا أن مهمتهم الدقيقة هى متابعة المخطط تنفيذه بدقة وباهتمام وجهد.

وشدد اللواء توفيق أن الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية باعتبارها المسئولة عن مشروع توشكى فهي ليس فوق القانون كما يزعم البعض لكنها تخضع للمراجعة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أن الشركة يعمل بها نحو 4 آلاف مدنى.

وطمأن اللواء توفيق المصريين بشأن المياه المستخدمة في توشكى مؤكدا  أنهم يسيطرون على المياه بشكل جيد وهي القادمة عبر ترعة الشيخ زايد، مشددًا على أنهم يحافظون على نقطة مياه خلال الري حفاظًا على الأمانة لا سيما مع الفقر المائي لمصر.

ولفت إلى أنهم يخططون لزراعة ما يزيد عن 500 الف فدان قمح فى الموسم الجديد بعدما كان 300 الف، معتبرا أن الزيادة السنوية هي شهادة النجاح بالنسبة لهم والت تكون زيادة بمتوسط 150 الف فدان سنويا، وأضاف أنه إلى جانب القمح والتمور هناك زراعات عديدة كالذرة والنباتات العطرية وبنجر السكر.

ووجهت "الفجر " سؤالا له حول الأنباء المتداولة بأن مصر ستشتري القمح من أحد الشركات المملوكة لدولة عربية فى مشروع توشكى بمصر، وأوضح في هذا السياق أن هذا غير صحيح لأن الدولة المصرية ممثلة فى وزارة التموين بالفعل تشتري قمحا من من تلك الشركة لكن ليس الموجود فى مصر ولكن فى دول أخرى خارجية وهو ما يحدث مع الكثير من الشركات، مشددا "نشترى من مزارعها خارج مصر" لان كل الزراعات القمحية يتم توريده لوزارة التموين 

ولفت إلى أن الجهات المعنية تشارك في الخطط والدراسات اللازمة، من خلال المراكز البحثية التابعة للدولة، خاصة في مجال الموارد المائية وتقييم استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وجودة التربة (نحو 3.30 مليون فدان) لتحديد صلاحية المساحات المناسبة للزراعة، كما قامت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية والهيئة القومية للاستشعار عن بعد لتقييم المخاطر البيئية لحركة الكثبان الرملية والفوالق الأرضية باستمرار، لتحسين الأداء، ورفع الكفاءة لزيادة الإنتاجية، من خلال استخدام النظم الحديثة، وتطبيق الأبحاث العلمية، الخاصة بزيادة الإنتاجية، وتحسين السلالات.

ووفق وزارة التخطيط، فإن جهود مصر خلال العامين 2022 و2023، تستهدف زيادة الرقعة الزراعية بنحو نصف مليون فدان في نطاق مشروعات التوسّع الأفقي، وبخاصة مشروع مُستقبل مصر والدلتا الجديدة على محور الضبعة بالساحل الشمالي الغربي، ومشروع تنمية توشكى جنوب الوادي الجديد، ومشروع شرق العوينات بالجزء الجنوبي الغربي من الصحراء الغربية، وزيادة الاعتماد على الذات في الزراعة المصرية لتوفير الأمن الغذائي".

وتوضح وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن المُستهدف رفع نسب الاكتفاء الذاتي من القمح من 45% عام 2020 إلى 65% بحلول عام 2025، ومن الذرة الصفراء من 24% إلى 32% خلال الفترة ذاتها، ومن الفول البلدي من 30% إلى نحو 80%، ومن العدس من 12% إلى 16%، ومن المحاصيل الزيتية من 3% إلى 10%، ومن اللحوم الحمراء من 57% إلى 65% ومن الأسماك من 82% إلى 85%".