المساعدات الدولية لفلسطين والتنمية

الاقتصاد

أرشيفية
أرشيفية

في أعقاب توقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993، عُقد مؤتمر دولي في واشنطن لضمان الملاءة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية المنشأة حديثًا، وشملت الأهداف الرئيسية في ذلك الوقت تمويل التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والمساهمة في استقرار منطقة الشرق الأوسط وإدخال الأسواق المحررة مع العمل، بالإضافة إلى الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. 

ووفقا للأرقام التي جمعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بلغت المساعدات المقدمة للفلسطينيين أكثر من 40 مليار دولار بين عامي 1994 و2020، وذهب الجزء الأكبر من هذه المساعدات (35.4%) لدعم موازنة السلطة الفلسطينية، في حين تم تخصيص الباقي لدعم مختلف القطاعات الخدمية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية. 

وجاء الجزء الأكبر من المساعدات (ما يقرب من 72%) من عشرة مانحين: الاتحاد الأوروبي (18.9%) والولايات المتحدة (14.2%) والمملكة العربية السعودية (9.9%) وألمانيا (5.8%) والإمارات العربية المتحدة (5.2%) والنرويج (4.8%) والمملكة المتحدة (4.3%) والبنك الدولي (3.2%) واليابان (2.9%) وفرنسا (2.7%).

لا مفر من حقيقة أن الضفة الغربية تتمتع بمؤشرات هامة على تحسن الظروف المعيشية والبنية التحتية، حيث تم تمهيد الطرق التي كانت ذات يوم مسارات ترابية وعرة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وقد وصلت معدلات التطعيم القياسية للأطفال إلى ما يقرب من 100%، ويذهب الفتيان والفتيات إلى المدارس ويقرأون بمستويات قياسية.

وعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي في فلطسين كان إيجابيا على فترات خصوصا مع ارتفاع قيمة دولار شيكل إلا أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني بشدة على جميع الجبهات، فقد عاني من عجز مستمر في الميزانية وعجز تجاري ومدخرات محلية سلبية، وكانت هذه المشاكل الثلاث الكبرى قائمة على الرغم من التدفق المرتفع للمساعدات الأجنبية.

ما هو الأثر الذي تتركه المساعدات الدولية؟

لقد أثرت مسألة تأثير المساعدات الدولية في فلسطين على السياسيين والناشطين والفلسطينيين العاديين، فمنذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو يبدو أن لا أحد يعرف ما هو الهدف طويل المدى من المساعدات في فلسطين، الأمر الذي يدعي للتساؤل عما إذا كانت المساعدات تهدف إلى دعم بناء المؤسسات من أجل حل الدولتين أم توفير عقود من التمويل الطارئ للسكان الذين يعانون من العنف والحرمان المستمرين، فعلى الرغم من استمرار المساعدات فإن أقل من نصف الأسر الفلسطينية كانت تتمتع بالأمن الغذائي في عام 2020، بينما في الوقت نفسه يستمر الفقر في التزايد والبطالة لا تزال مرتفعة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى ذلك، أفاد البنك الدولي في شهر مايو الماضي أنه على الرغم من كل الجهود المبذولة لمعالجة العجز المالي للسلطة الفلسطينية فإن السلطة لا تزال مدينة للقطاع الخاص وصندوق التقاعد والاقتراض المحلي.

إن قسمًا كبيرًا من المساعدات التي يتلقاها الفلسطينيون من العالم العربي والمجتمع الدولي تحكمها إما سياسات التضامن أو الاعتبارات السياسية التي تركز على واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

في ضوء هذه الاعتبارات، من الضروري تقديم بعض التعليقات المهمة عندما يتعلق الأمر بالمساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، وخاصة الجزء المخصص للموازنة العامة للسلطة الفلسطينية:

أولًا: إن قسمًا كبيرًا من المساعدات التي يتلقاها الفلسطينيون من العالم العربي والمجتمع الدولي تحكمها إما سياسات التضامن أو الاعتبارات السياسية التي تركز على واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي حسابات الدول المانحة فإن التركيز على دعم السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من الاستمرار في ضمان السلام والاستقرار يفوق بكثير أهمية خطط التنمية التي يمكن أن تستخدم المساعدات بشكل أفضل، ونتيجة لذلك، فإن معظم الفلسطينيين لا يشعرون بقدر كبير من الانتماء إلى الجهات المانحة الدولية، التي نادرًا ما يستفيدون من مساعداتها بشكل مباشر. 

ثانيًا، يتم الوعد بالمساعدات الأجنبية من دون ضمانات بتسليم الأموال، ويؤثر عدم الاستقرار هذا على قدرة السلطة الفلسطينية على التنبؤ بمصدر هذه المساعدات وحجمها واستخدامها الموجه، مما يجعل إدارة المالية العامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قابلة للتنبؤ بها على نحو متزايد، وبالتالي يعيق جهود السلطة الفلسطينية لإنشاء وتنفيذ مبادرات التنمية.

ثالثًا: حتى عندما تشكل التنمية الاقتصادية أولوية بالنسبة للمانحين الدوليين، فإن الطبيعة المتزايدة التعقيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تجعل تنفيذ مشاريع التنمية أمرًا صعبًا، وهذا بدوره يدفع الجهات المانحة إلى تخصيص معظم مساعداتها لمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة ومعالجة العجز في ميزانية السلطة الفلسطينية. 

رابعا: وهو الأهم، فإن واقع احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والسيطرة السياسية والاقتصادية التي تمارسها على المؤسسات الفلسطينية يؤدي بدلا من ذلك إلى تحويل جزء كبير من المساعدات المخصصة للفلسطينيين إلى الاقتصاد الإسرائيلي، مما يجعل الأموال عديمة الفائدة للفلسطينيين أو السلطة الفلسطينية أو الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام. 

لقد تم إدراك أن العوامل الرئيسية التي تؤثر على النمو ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هي الاستقرار السياسي والاستثمار والصادرات، فعندما يكون الاستقرار السياسي مقبولًا، كما حدث في الأعوام 1994 -1999 زاد الاستثمار والصادرات، ولكن عندما كان الاستقرار السياسي منخفضًا كما حدث في الأعوام 2000- 20002انخفض الاستثمار والصادرات بشكل حاد، وبالتالي انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ولوحظ أيضا أنه على الرغم من ارتفاع مستوى المعونة في السنوات ما بين عامي 2000 و2003 إلا أن النمو كان سلبيا وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ويظهر هذا السلوك الاقتصادي بوضوح أن المساعدات ليست العامل الرئيسي في تعزيز النمو المستدام.

مساعدات بلا تنمية

وفي ضوء هذا التحليل لطبيعة المساعدات الدولية المقدمة للفلسطينيين والغرض منها وحجمها وتأثيرها، لا بد من استخلاص استنتاج مفاده أنه منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، فشلت المساعدات الدولية في تحقيق تطلع الفلسطينيين إلى وضع مسار للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، ويعود هذا الفشل إلى الجمود الذي وصلت إليه عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وإلى تكرار التطورات السياسية والأمنية الدراماتيكية، وتستمر هذه العوامل في دفع المانحين الدوليين إلى التركيز على الإغاثة ومعالجة الاختلالات والتشوهات التي نشأت نتيجة فشل السياسات، بدلًا من العمل على تحقيق التنمية الحقيقية التي يسعى الفلسطينيون إلى تحقيقها.