قاضٍ مصرى يكشف من قلب إسرائيل أشهر مؤامرة حربية موثقة في التاريخ الحديث

حوادث

السادات
السادات

تتعرض مصر لمؤامرت على مدار تاريخها بسبب قوتها فى منطقة الشرق الأوسط ودورها الفاعل وحضارتها التليدة وأخرها ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى – على غير عادتها - فى 23 ديسمبر 2023 من أن إسرائيل وبريطانيا وفرنسا خططوا لأبعد من السيطرة على قناة السويس في حربهم على مصر عام 56 وأن الهجوم استهدف تدمير مصر اقتصاديا وعسكريا والتمهيد لنظام جديد بعد إسقاط نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر.

وكشف المفكر والمؤرخ القضائى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة  فى دراسة جديدة له بعنوان " من قلب إسرائيل: وثيقة بروتوكول سيفر 1956 أشهر مؤامرة حربية موثقة في التاريخ الحديث ضد مصر " الأبعاد الحقيقية لتلك المؤامرة من خلال المصادر التاريخية لممثلى الدول الثلاث ذاتها فى أصعب ثلاثة أيام من 22 إلى 24 أكتوبر 1956 تم فيها تدبير أكبر مؤامرة فى التاريخ الحديث ضد مصر، وأنه ليس كشفًا جديدًا لهيئة الإذاعة البريطانية تفاجئ به العالم على نحو ما تلقفه بعض الإعلاميين بالإشادة من خلال الخبر وقد فضحوها مرات عديدة وهى المعروفة بالتحريض ضد مصر منذ خمسينيات القرن الماضى حتى قبل نشر تقريرها.

وقد أثبت المفكر المصرى أنها معلومات مؤكدة بوثيقة بروتوكول سيفر 1956 كشف عنها مذكرات المتاَمرين أنفسهم فى نهاية حياتهم المشاركين فى المؤامرة الكبرى، بل وواصل المفكر المصرى التنقيب عن الحقائق من قلب إسرائيل ذاتها وأطروحة دكتوراه عام 1992 بعنوان (حملة سيناء 1956الجوانب العسكرية والسياسية) بالعبرية جامعة حيفا لموتي جولاني، وكتاب ديفيد تال عام 1997 وهو مؤرخ إسرائيلي نشرته جامعة أكسفورد ‏ بإنجلترا بعنوان ( حرب 1956: التواطؤ والتنافس في الشرق الأوسط لندن: فرانك كاس 2001). ونظرًا لأنه تم تدمير النسخة البريطانية بأمر رئيس وزرائها الأسبق، وفُقدت النسخة الفرنسية، فقد سُمح بتصوير البروتوكول عام 1996 من النسخة الإسرائيلية بفيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية عُرض حينما حلت الذكرى الأربعين لحرب السويس. ونعرض للجزء الأول من الدراسة المثيرة للقاضى المصرى بالحقائق وأدلتها التاريخية لا تقارير هيئة معلوم نيتها الدفينة تجاه مصر.

أولًا: التخطيط لمؤامرة الحرب الثلاثية ضد مصر في نهاية أكتوبر 1956 في اجتماع سري في سيفر، بالقرب من باريس

يقول الدكتور محمد خفاجى إن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تضمن تغير موقف بريطانيا في الشرق الأوسط، والتاريخ الذى يرصد ويسجل كشف أن الفرنسيين نجحوا في الاتفاق العسكرى مع بريطانيا وإسرائيل كان هدفه الأساسى  هو الإطاحة بالقيادة المصرية المتمثلة فى الزعيم جمال عبد الناصر، وتم التخطيط لمؤامرة الحرب ضد مصر في نهاية أكتوبر 1956 في اجتماع سري في سيفر، بالقرب من باريس. واستمرت المناقشات حوالى ثلاثة أيام تقريبا، توجت بالتوقيع على بروتوكول سيفر،  أشهر مؤامرة حرب في التاريخ الحديث ضد مصر، كشفت عنها أطروحة دكتوراه عام 1992 بعنوان (حملة سيناء 1956الجوانب العسكرية والسياسية) بالعبرية جامعة حيفا كشفت القادة العسكريين  ،وكتاب طبعه ديفيد تال عام 1997 - وهو مؤرخ وأستاذ إسرائيلي، شغل منصب كرسي كاهانوف في الدراسات الإسرائيلية في جامعة كالجاري. وهو خبير في الأمن الإسرائيلي وتاريخ الدبلوماسية-  الكتاب نشرته جامعة أكسفورد ‏ بإنجلترا بعنوان ( حرب 1956: التواطؤ والتنافس في الشرق الأوسط لندن: فرانك كاس 2001)

وفي 24 أكتوبر 1956، وبداخل فيلا خاصة في سيفر بضواحي باريس، وفى سرية مطلقة وقع ممثلو الحكومات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، في نهاية اجتماع دام ثلاثة أيام تقريبًا وثيقة مؤامرة عُرفت فيما بعد باسم بروتوكول سيفر، وقد ورد بالوثيقة تفاصيل خطة الحكومات الثلاث لمهاجمة مصر، وتركزت الخطة فى أن تهاجم إسرائيل الجيش المصري بالقرب من قناة السويس، وأن يكون هذا الهجوم بمثابة ذريعة للتدخل العسكري الأنجلو- فرنسي.

ثانيًا: النسخة البريطانية لبروتوكول سيفر تم تدميرها بأوامر السير أنتوني إيدن، والنسخة الفرنسية فُقدت، وتم الاحتفاظ بالنسخة الإسرائيلية في أرشيف بن غوريون في سيدي بوكر وتم منح الإذن بتصوير البروتوكول عام 1996 بفيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية عُرض حينما حلت الذكرى الأربعين لحرب السويس

ويذكر أن هذا البروتوكول كُتب باللغة الفرنسية وطُبع في ثلاث نسخ، ووقعه باتريك دين، وكيل وزارة الخارجية المساعد في وزارة الخارجية البريطانية، وكريستيان بينو وزير الخارجية عن فرنسا، وديفيد بن غوريون رئيس الوزراء عن إسرائيل، وقد أنكر أنطوني إيدن ‏وهو سياسي بريطاني محافظ خدم لثلاث فترات كوزير للخارجية ثم أصبح رئيس وزراء المملكة المتحدة من عام 1955 إلى 1957 أنكر فى  نهاية أيامه، وجود أي تواطؤ مع إسرائيل أو حتى المعرفة المسبقة بأن إسرائيل ستهاجم مصر،  لكن بروتوكول سيفر أثبت كذبه وكشف الحقيقة، وتم تدمير النسخة البريطانية بناءً على أوامر السير أنتوني إيدن، وفُقدت النسخة الفرنسية، وتم الاحتفاظ بالنسخة الإسرائيلية في أرشيف بن غوريون في سيدي بوكر. وفي عام 1996، تم منح الإذن بتصوير البروتوكول الخاص بالنسخة الإسرائيلية بفيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية عُرض حينما حلت الذكرى الأربعين لحرب السويس، ليصبح العدوان الثلاثى بموجب بروتوكول ​​سيفر أشهر مؤامرة حربية موثقة في التاريخ الحديث ضد مصر.

ثالثًا: من قلب إسرائيل المتاَمرين ضد مصر فى حرب السويس كشفوا أبعاد المؤامرة بأنفسهم فى نهاية حياتهم 

ويذكر بدأت الأمور بالشائعات والاتهامات بالتواطؤ ضد مصر بمجرد اندلاع حرب السويس، دون أي دليل دامغ في ذلك الوقت، وبعد مرور عدة سنوات  ظهرت معلومات حول الاجتماع الذي عقد في سيفر والذي تم فيه التخطيط لمؤامرة الحرب ضد مصر، من خلال المشاركين عن اللقاء في مذكراتهم فى نهاية حياتهم  ، وعلى الرغم من أن السير أنتوني إيدن لم يكن  مشاركًا في هذا الاجتماع بالذات، لكنه كان أول من نشر قصة التواطؤ فى كتاب  أنتوني ( لا نهاية للدرس: قصة السويس لندن: كونستابل، 1957)

وكشف كريستيان بينو وزير الخارجية عن فرنسا فى البروتوكول عن التفاصيل في الذكرى العشرين لغزو السويس، بل وقدم نسخة مشروحة من بروتوكول سيفر فى كتابه ( السويس 1956 باريس: روبرت لافونت، 1976) كما قدم موشيه ديان وصفًا أكثر دقة وتفصيلًا لهذا اللقاء في سيرته الذاتية فى كتابه (قصة حياتي لندن: فايدنفيلد ونيكلسون، 1976) كما أصدر سيلوين لويد – وهو من اُنتخب للبرلمان الإنجليزى في عام 1945 عن الحزب المحافظ، وشغل منصبًا وزاريًا منذ عام 1955، وترقى في النهاية إلى منصب وزير الخارجية في عهد رئيس الوزراء أنطونى إيدن  من أبريل 1955. وتزامنت فترة ولايته مع أزمة السويس بالعدوان الثلاثى على مصر -  كتابًا كاملًا ( السويس: 1956 حساب شخصي لندن: جوناثان كيب 1978 ) وهو كتاب عن السويس يتضمن وصفًا حيًا لإحراجه أثناء المواجهة مع الإسرائيليين في سيفر.

كما كان شمعون بيريز المصدر الرئيسي لكتاب عن السويس نُشر باللغة العبرية عام 1965.( في الأيام العاصفة: السويس خلف الكواليس - يوسف إيفرون، بيوم ساجرير: Su'etz me'ahorei hakla'im  تل أبيب: أوت باز، 1965(

ويضيف أن  المؤرخ الرئيسي والأكثر إنتاجًا وموثوقية لوقائع مؤتمر سيفر – حسب ما أعلنه المؤرخ ديفيد تال - هو العقيد مردخاي بار أون، رئيس مكتب رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، والذي شغل منصب سكرتير الوفد الإسرائيلي وقام بتدوين ملاحظات كثيرة  طوال الوقت. وبناء على طلب ديان في عام 1957،، كتب بار أون، وصفًا تفصيليًا للأحداث التي أدت إلى حرب السويس مع إمكانية الوصول إلى جميع الوثائق الرسمية، وفي عام 1991 نُشرت هذه الدراسة في كتاب: (بحث مركز 1991 سيدي بوكر: بن غوريون. التحدي والشجار. Etgar ve-tigra  مردخاي بار أون) بل أن مردخاي بار أون نشر كتابًا بدأ حياته كأطروحة دكتوراه، والعديد من المقالات حول جوانب مختلفة من السويس.بعنوان (  مردخاي بار أون: أبواب غزة: إسرائيل الطريق إلى السويس والعودة 1955 – 1957  نيويورك: شارع مطبعة مارتن، 1994)

رابعًا: كيف بدأت المؤامرة للإطاحة بالزعيم جمال عبد الناصر

ويذكر كان الفرنسيون هم صانعو الاتفاق العسكري الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي وكان الهدف غير المعلن هو الإطاحة بالزعيم  جمال عبد الناصر، منذ تأميمه لشركة قناة السويس في 26 يوليو 1956، ومنذ ذلك الحين كان الفرنسيون والبريطانيون يخططون للقيام بعمل عسكري ضد مصر حال فشل المفاوضات في تحقيق أهدافهم، وكانت  فرنسا فى ذلك الوقت  علاقاتها وطيدة مع مؤسسة الدفاع الإسرائيلية وتوصلت مع إسرائيل  إلى فكرة استخدام الهجوم الإسرائيلي كذريعة للتدخل الأنجلو- فرنسي.  

وفي 14 أكتوبر، قام الجنرال موريس شال، نائب رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، برفقة ألبرت غازيير، القائم بأعمال وزير الخارجية، بزيارة لرئيس الوزراء البريطاني في منزله في تشيكرز( ( Chequers- وهو منتجع ريفي تمتلكه الدولة في إنجلترا، ويستخدمه رؤساء الوزارة في بريطانيا. ويقع في تشيلترن هيلز في باكنجهامشاير، على بعد 45كم شمال غربي لندن - وفي هذا الاجتماع قدم الجنرال الفرنسي خطة عمل عرفت باسم "سيناريو شال" قوامها  ستتم دعوة إسرائيل لمهاجمة الجيش المصري في سيناء وتشكيل تهديد لقناة السويس، وهذا من شأنه أن يوفر لبريطانيا وفرنسا الحل الأمثل لتفعيل مخططاتهم العسكرية واحتلال منطقة قناة السويس، بحجة الفصل بين المتقاتلين وحماية القناة.

خامسًا: أطروحة دكتوراه عام 1992 (حملة سيناء 1956الجوانب العسكرية والسياسية) بالعبرية جامعة حيفا كشفت مؤامرة القادة العسكريين للدول الثلاث   

ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن أطروحة دكتوراه بعنوان (حملة سيناء 1956: الجوانب العسكرية والسياسية) بالعبرية جامعة حيفا موتي جولانى،  كشفت مؤامرة القادة العسكريين  ، وهذه الأطروحة الوصف الأكثر شمولًا المتاح للجانب العسكري لمحادثات سيفر، استنادًا إلى البحث الشامل في أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي، حيث كان كبار أعضاء الوفد الإسرائيلي إلى المحادثات في باريس هم دافيد بن غوريون، الذي كان وزيرا للدفاع ورئيسا للوزراء، وموشيه ديان، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وشمعون بيريز، المدير العام لوزارة الدفاع.. ومثل فرنسا غي موليت، وكريستيان بينو، وموريس بورجيه مونوري، وزير الدفاع. وكان من بين الحاضرين أيضًا الجنرال شال، ولويس مانجين، صديق ومستشار بورجيه مونوري، وأبيل توماس المدير العام لوزارة الدفاع.

وعلى الرغم من أنه كان اجتماعًا سياسيًا في الأصل يتحمل السياسيون المسئولية النهائية عن القرار، إلا أن أطروحة الدكتوراه كشفت عن أن القادة العسكريين لممثلى الدول الثلاث هم الذين ضغطوا من أجل عقد الاجتماع والذين قدموا معظم الأفكار التي تم الاتفاق عليها أخيرًا للمؤامرة الثلاثية ضد مصر.