أحمد الطوخي يكتب: الشخصيات الثانوية في مسلسل بطن الحوت أجنحة أحمد فوزي الضاربة

مقالات الرأي

بوابة الفجر

أحمد فوزي صالح انتصر بالدراما المصرية في بطن الحوت لعام 2023

هو لا يقدم رسائل كما صرح في حوار سابق له مع موقع العربية لكنه يقدم فنًا.

اتفق تمامًا مع أحمد فوزي صالح مع هذه الرؤية وهذا الطرح الفن هو قَنطرة رَوحية ليصل الإنسان لرسائل نَفسية يكونها بحالة عامة من خلال تأثير العمل الفني فيه من خلال الحكاية، الحبكة، المشاهد المؤثرة، نَمط الشخصيات والتشابهة النفسي بين تفاصيل بالعمل وحكايات شخصية في شكل مقاربات من الممكن أن تكون مؤثرة من خلال التَفكر والتَدبر في الحكاية الفَنية المعروضة.

 

 

 

الربط النفسي لخلفية المشاهد الغنائية

 

العشوائية لم تكن تحكم أي من تفاصيل بطن الحوت ومنذ بداية الحلقة الأولى أراد أن يخلق أحمد فوزي إختلافًا من خلال الخلفية

أغنية ليلي نهاري لعمرو دياب في خلفية المشهد الأول بالصحراء من مُسجل السيارة، ومن ثم أغنية وبناقص حياتي معاك لشيرين وبهاء سلطان في عقد قران آية ابنه هلال شقيق ضياء وغيرها من الأغاني التي صُدرت كخلفيات عابره.

لم تَكن مجرد أغنيات صَدرت كأشرطة في الأعوام المذكورة في تبيان حقبة المسلسل 2005 أو 2008 وغيرها.

لكن أحمد فوزي نجح في توظيف الأغاني في الخلفية في بعض المشاهد لتَثبيت المعايشة الَنفسية لهذه الحقبة الزَمنية التي ليست بالبعيده.

من منا في 2023 قام بسماع أغنية " وبناقص حياتي معاك " لشيرين أو " ليلي نهاري" لعمرو دياب ؟

برأيي أن المصريين شعب لدية ذاكرة غنائية إجتماعية كبرى وعَظيمة

فتوظيف الأغاني في الخلفية من وجهة نظري كان نجاح مُميز لأحمد فوزي صالح في أن يَسحب المشاهد للحالة الزَمنية للعمل

من المؤكد أن هذه النَوعية من الأغاني أخذت الكثيرين لبداية الألفية وسنواتها الأولى حيث لم يكَن هناك إنترنت على نطاقه الحالي ولا مواقع تواصل للمشاركة

فكانت الأغاني الشعبية والشهيرة هذه هي المشاركة الأعظم إرتباطًا بالذاكرة النفسية والإجتماعية والغنائية للعقل المصري لعده أجيال بمواقف وإحساس زمني.

تفاصيل الأغاني في الخلفية كان وَصلة رَبط نفسي ذَكية ولماحة للحالة النفسية العامة المتطلبة للربط النفسي بالحكاية الدرامية.

 

الشخصيات الثانوية

أجنحة قادرة على التحليق بعيدًا وبقوة.

 

رغم إعتماد أحمد فوزي صالح على شخصيات لها قدرة على التلّون والتشكل دراميًا في حالات مختلفه على مستوى الأداء والنَبرة الصوتية والمحاكاة الدرامية كمحمد فراج وباسم سمره.

إلا أن من وجهة نظري النجاحات الأعظم في بَطن الحوت كانت في الشخصيات الثانوية

عصام عُمر بطل مسلسل بالطو كانت هذه المَرة الأولى التى أتابع فيها اسمه وأدائه ولم استكمل العمل ولم أشعر بارتباط حقيقي مع الشخصية.

لكن عصام عُمر في دور " بكر " قَفز بعيدًا ليعلن عن نفسه للجميع بلا مورابه من وجهة نظري وإن كان قد حقق نجاحًا في مسلسل بالطو بشهادة الجمهور.

رأيت في شخصية بكر الأتي

صديقي في الثانوية خالد سوسته، الجدعنة، الشقى، الشقاوة، ابن المنطقة المخلص دائمًا، الحائر، المغلوب على أمره، الحالم على أمل لا يأتي أبدًا.

عصام عُمر في شخصية بَكر هو صديق لك من زَمن ماضي، جار على هامش الحاره، صنايعي معجون بالقهر.

عصام عُمر في شخصية بَكر يًشبه كل المصريين، صُورة مُجمعة في أداء درامي إستثنائي ناجح وناجع في جَعلك تتعاطف، تبتسم، تحلم، تغضب، تخاف وتُقسم أن عصام عُمر ما هو إلا شخص تعرفه من زَمن في شخصية بَكر أو هو صديق حَميم.

خَرجت من بَطن الحوت بصداقة نَفسية مع شخصية بكر التى أداها عصام عُمر

حَلّق أحمد فوزي صالح بالشخصيات الثانوية بقوة وبلا خَوف

ضَرب بأجنحة الشخصيات الثانوية بلا رادع وكان في اعتماده على قوة هذه الأجنحة في محله

فقد وَصل بشخصية مَنه هلال العمري وآية هلال العمري وبَكر المُجهل العائله إلى مُراده

من حيث الملابس الشديدة الواقعية والطبيعية، وتفاصيل غرفه النوم المعبئة بصور فنانين وبوسترات شرائط كاسيت والأداء المُكثف للحالة التى نَجحت ووصلت تمامًا للعمق النفسي للمشاهد في القلق، البكاء، الأحقاد، وحتي فيمشاهد ضغط الإبتزاز العاطفي من الشخصيات لبعضهم البعض.

فيما أتت شخصية هندي التي قام بأدائها حسام الحسيني لتُعطيني إنطباع حائر حول كَيف استطاع حسام التركيز كل هذا القدر ليصل بنا لهذا الأداء التفصيلي ويُعطينا إحساس المُقبل على الإيمان والإدمان معًا، الحب والغيره،القوة والإنسحاب.

من المتعارف عليه إن تقرأ شخصية روائية وتحلم أن تراها في قالب درامي لكن شخصية هندي أعطتني إحساس جارف بضرورة تحويل هندي لشخصية روائية في أدق تفاصيله حتى سوسته الجاكيت الرياضي التي يغلقها حتى ذقنه.

الشخصيات الثانوية إنتصار أخر على هامش بطن الحوت أبرزه وأكد دوره أحمد فوزي صالح بإتقان الحكاية وتصاعدهًا وخطوط الشخصيات الدرامية وحدودها المتداخلة المُعمقة بحرفية.

 

 

 

 

 

الحكاية والمشهد الأخير

 

تأويل حكاية بطن الحوت على إختلاف متابعي العمل من قابيل وهابيل ومعالجة الحكاية وخِلاف الآراء

فالحكاية هي معالجة نفسية بالأصل لمفاهيم أساسية متناقضة ومتداخلة تتشابك مع الفعل الإنساني اليوم واللحظي

الخير والشر، الحب والكره، السيطرة والتَخلي، الغيرة وغيرها من المشاعر والأحاسيس

التي يُثيرها العمل الدرامي وخَط سير هذه المشاعر وكيف للخير أن يَتضمنه شَر والقسوة تَلُفها حنان والسيطرة تتشبث بِعناد.

قِف على المفهوم واتصل أنت بالمعالجة الدرامية الخاصة بك نفسيًا من الحكاية والشخصيات.

 

 

بينما أتى المشهد الأخير صادم ومختلف

من ناحية اختيار المكان في مزارع سمكية على هامش السواحل الشماليه لمصر على طريق بورسعيد ربمًا إن حالفتني الدقه في التخمين

وحفر هلال حُفره لأخيه ليواري فيها غضبه منه، إنتقامه المؤجل، حيرته النفسيه

فنفاجئ بمفهوم أخلاقي عباره عن " الخيانة " التي يتعرض لها من خلال " طايل " ذراعة الأيمن ويُسلمه لآخرين

فتكون الحُفره له ولأخيه معًا

وينتصر شعور إنساني أخر وَثقته كاميرا الدرون التى كانت ترتفع لتعطينا إنطباع المكان

وهو إحتضان هلال لضياء أخوه في الحفره قبل أن يتم قتلهم سويًا

ليترك مفهوم أخر مرتبط بالحكاية وهو مفهوم الرعاية والحماية حتى قبل لحظات من المَوت رَغم " مصانع الحداد " التي كانت تقف بين الشقيقين قبل لحظات.

 

تحدثت قبلًا عن حرفية وبطولة المكان في أعمال أحمد فوزي صالح وتحديدًا كيف أوقعنا في جماليات المكان وجعله بطلًا يتحدث مع الشخصيات الرئيسية

لكنني شَعرت بالإمتنان لأحمد فوزي صالح بأن قَر أعين المشاهد بطابية عرابي المَنسية في ربوع دمياط

أطال مشهد التصوير داخل طابيه عرابي وكأنه يوجه تساؤل للمشاهد

هل تَعرف هذه الحجاره المهجوره ؟ وتساؤلات أكثر عن سبب حضورها كركام حتى وقتنا هذا دون عناية أكثر لتبيان تاريخ هذا المكان الذي كان شاهدًا على تحصن عرابي والذين معه.

تَكلمت طابية عرابي من خلال كاميرا أحمد فوزي صالح مع المشهد الطويل في حيره هلال وورد بين جنباتها ومحاولتهم التحصن والإحتماء بها من المُطاردين.

بَطن الحوت إنتصار درامي للواقع ولمحاولة دَمج المشاهد مع المفاهيم العامة لإثارة التساؤل النفسي وتطوير الإشتباك بين الدراما والتغيير النفسي الإجتماعي.