«فاشوش السوشيال ميديا».. مشروع هرم منكاورع يواجه اتهامات والسبب قراقوش

أخبار مصر

هرم
هرم

بدأت مصر بالتعاون مع اليابان في مشروع أثري جديد وهو ترميم هرم الملك منكاورع والمعروف بين الجميع بالهرم الأصغر في منطقة أهرامات الجيزة الشهيرة، والمشرع يتلخص في إعادة الكسوة الجرانيتية المتساقطة إلى وضعها الأصلي ككسوة تستقر فوق سطح أحجار الهرم الأصغر لتعيد إليه رونقه وجماله الأصلي حسبما صرحت وزارة السياحة والآثار. 

موجة انتقادات 

وواجه المشروع موجة من الانتقادات والتي قال البعض فيها إن إعادة كسوة الهرم سيمثل إخلالًا بحدث تاريخي وقع في هذا المكان، حيث نسب العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم متخصصين بعلم الآثار أن السبب في تساقط تلك الأحجار هو أمر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي لوزيره بهاء الدين قراقوش بنزع أحجار الهرم وإعادة استخدامها في بناء قلعته الشهيرة فوق جبل المقطم.

رواية رحالة عربي  

واعتمد أنصار ذلك الرأي على رواية وردت في كتاب الرحالة المعروف عبد اللطيف البغدادى في كتابه «الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر»، والذي نشرته الهيئة العامة المصرية للكتاب، وتحديدًا في الطبعة الثانية منه والتي صدرت عام 1998 م، حيث يقول في الصفحة رقم 89 عن الأهرامات: «قد كان منها بالجيزة عدد كثير لكنها صغار فهدمت فى زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد قراقوش»، وفي ذلك المقطع يتحدث البغدادي فقط عن أهرامات صغيرة كانت موجودة بجانب الأهرامات الحالية. 

نفي علمي 

ومن ناحيته نفى الدكتور أحمد بدران أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، في تصريحات خاصة إلى الفجر،  إمكانية أن تكون تلك الرواية صحيحة، فلا يوجد أي أثر لأهرامات صغيرة أو كبيرة في منطقة أهرامات الجيزة، والتي تعرضت لبحث دقيق على مدى ما يزيد من مائة عام كاملة، ولو أنه يوجد أثر لأي هرم فسيظهر على مدى أعوام من البحث والحفائر بتلك المنطقة. 

عبد اللطيف البغدادي 

 وبمزيد من البحث نجد أن عبد اللطيف البغدادي أورد في في الصفحتين 92 و93 من نفس الكتاب الذي ألفه لما زار مصر: «وعلى تلك الحجارات كتابات بالقلم القديم المجهول الذى لم أجد بديار مصر من يزعم أنه سمع بمن يعرفه وهذه الكتابات كثيرة جدًا حتى لو نقل ما على الهرمين فقط إلى صحف لكانت زهاء 10 آلاف صحيفة»، وهنا هو يتحدث عن كسوة الأهرامات الثلاث وأنها سليمة وكتاباتها واضحة للعيان إلى الدرجة التي يمكن معها نقلها إلى آلاف الصفحات. 

والأمر الذي يجب أن نقرره هنا هو أن عبد اللطيف البغدادى زار مصر عام 597 وظل بها حتى عام 598هـ، في حين أن بناء القلعة كان 872هـ، أي قبل أن يأتي عبد اللطيف البغدادي إلى مصر بنحو 22 عامًا، وقد توفي صلاح الدين الأيوبي عام 589هـ، أي قبل أن يأتي البغدادي لمصر بتسع أعوام كاملة، في حين أن وفاة بهاء الدين قراقوش عام 597هـ، فكيف وصل ذلك الزعم إلى البغدادي؟ 

الأسعد بن مماتي 

وهنا يجب أن نذكر حقيقة أخرى هامة للغاية وهو أن بهاء الدين قراقوش كان يتم مهاجمته بواسطة رجل يُدعى الأسعد بن مماتي وهو رجلًا مسيحيًا، وكان يتبوأ منصب في ديوان الجيش، ثم أضاف إليه السلطان ديوان المال، الأمر الذي يبين ثقة صلاح الدين فيه، ظل الأسعد رئيسًا لديواني الجيش والمال في عهد صلاح الدين، وتقلب في المناصب في عهد من بعده من سلاطين الأيوبيين حتى توفي عام 606 هـ في حلب. 

بهاء الدين قراقوش 

وكان بهاء الدين قراقوش هو وزير صلاح الدين الأيوبي الأمين، والذي استأمنه على ديار مصر، وأوكل إليه بناء القلعة، وكذلك أسوار القاهرة، وتحصين عكا، ووصل إلى منصب الوصي على مصر في عهد خلفاء صلاح الدين، وكان هو ابن مماتي متنافسين. 

صراع السيف والقلم 

ونشأ الصراع بينهما كلمنهما يريد نيل الثقة والحظوة، حتى حصل قراقوش على لقب الأمير، فبدأ ابن مماتي في نسج القصص الوهمية حول قراقوش، وألف كتابًا أسماه «الفاشوش في حكم قراقوش»، وقد يكون قصة نزع أحجار الهرم مما أورده ابن مماتي على سبيل الإساءة إليه، ورغم أفضال بهاء الدين قراقوش التي سجلها التاريخ، إلا أن حرب القلم التي شنها عليه الأسعد بن مماتي كانت ناجحة لدرجة أن كل القصص التي ألفها من محض خياله استمرت لأجيال. 

أين الدليل؟  

ومن ناحيته أكد بسام الشماع المؤرخ المعروف والمرشد السياحي في تصريحات خاصة إلى الفجر أن أمر انتزاع أحجار الأهرامات في العصر الأيوبي لأجل بناء القلعة أمر غير وارد بالأساس، وليس عليه أي دليل أثري، حيث لا يوجد حجر واحد بالقلعة من كسوة الأهرامات، وعليه فتكون الحجة التي يسوقها بعض الأثريين ضد ما أطلقت عليه وزارة السياحة والآثار «مشروع القرن»، وهو أن تساقط الأحجار مرتبط بحدث تاريخي هو أمر غير صحيح على إطلاقه.  

شهادة رحالة غربي 

وفي ذات السياق أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان الخبير الأثري المعروف، أن الكسوة الخارجية لواجهات الهرم الأكبر المكونة من أحجار ملساء والتي كان عليها نقوش وطلاسم تساقطت بفعل زلزال كبير ضرب مصر عام 1301م، وشهد على ذلك شاهد عيان وهو المؤرخ والرحالة الغربي بالدنسل، الذي زار مصر في القرن الرابع عشر الميلادي، وشاهد بعض أحجار كسوة الهرم التي أسقطها الزلزال، وكانت لا تزال عليها آثار نقوش مرسومة باللونين الأسود والأحمر، أي بعد انتهاء العصر الأيوبي 1250 م بنحو 150 عامًا كاملًا.  

ومن خلال التحليل السابق يتبين أن الأرجح هو عدم صحة القول بأن أحجار كسوة الهرم قد تم إزالتها عمدًا في العصر الأيوبي، ويصبح هذا القول هو من قبيل «فاشوش السوشيال ميديا»، وتساقط تلك الأحجار كان بفعل أو نتاج ظاهرة طبيعية وهي زلزال عام 1301م.