د. فرح قادري تكتب: هل يقود الهجوم الأوكراني على بيلغورود لردّ صارم من موسكو هذه المرة؟

عربي ودولي

د. فـرح قـادري
د. فـرح قـادري

تدخل العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا عامها الثاني خلال أيام، في ظل متغيرات جيوسياسية واقتصادية كبيرة انعكست على  توجّهات الدول وتحالفاتها خلال السنوات الأخيرة، تأثرا بالأزمة الأوكرانية.

ويعدّ التحالف الأوروبي الغربي أحد أبرز هذه المتغيرات، إذ يُجمع على الدعم التام لأوكرانيا ونظام "زيلينسكي" رغم كل ما ترتب على الصراع الرّوسي- الأوكراني.

ميدانيا تحقّق روسيا يوميًا مكاسب على حساب الوحدات المسلّحة الأوكرانية، طبقا للأرقام التي تصدرها وزارة الدفاع الروسية، بشأن تحييد عدد كبير من الجنود الأوكرانيين وصد الهجمات وتدمير المعدات العسكرية وإسقاط المسيرات التي يستخدمها الجانب الأوكراني.


استهداف بيلغورود الروسية 
أمس الخميس، وقع هجوم غير مبرر على مدينة بيلغورود الروسية واستهداف مباني سكنية أدّى إلى مقتل مدنيين أبرياء وإصابة آخرين، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن طبيعة الرد الروسي على هذه الهجمات، وما يمكن أن تذهب إليه موسكو لمنع تكرار مثل هذه الأعمال.

في ظل التطورات على الساحة العالمية، تبرز تساؤلات بشأن الغرب سياسة مزدوجة في التعامل مع الملف الأوكراني ضد روسيا؟ وكذلك علاقة ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط من انتهاكات علنية بحق الشعب الفلسطيني بإبعاد أنظار العالم على الصراع الأوكراني- الروسي؟.

تعليقا على  هذه التطورات يقول الخبير في الشأن الروسي، الدكتور محمود الأفندي لـ "الفجر":

"بداية، يضطر الأوكرانيون لإقامة عمليات إرهابية وضرب المدنيين، كلّما كان هناك انهيار على خطوط الجبهة، وهذا لتحويل بوصلة الإعلام إلى هذه المنطقة ولتنتقم بهذه الطريقة، يعني أنّ المدرسة الأوكرانية أخذت دروسا من أمريكا وبريطانيا، فالعقيدة العسكرية البريطانية والأمريكية تستهدف المدنيين للضغط على الدولة نفسها أو على المسلحين للاستسلام".

وأضاف الدكتور الأفندي: "هذا نوع من أنواع الرّد الذي تعلمته أوكرانيا من بريطانيا وأمريكا، كونها غير قادرة على استهداف المسلحين الروس في الجبهة وخسارتها".

بشأن الرّد المتوقع لموسكو بعد الهجوم الأوكراني واستهدافها المدنيين، يوضح  الأفندي:  "أعتقد أنّ الرّد الروسي سيكون على الجبهة العسكرية وعلى استهداف البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، روسيا لا تستهدف المدنيين ولا تستخدم الأساليب الإرهابية في الحرب، وقد راينا مات قاله الرئيس بوتين، عاجلا أم آجلا سيلتئم الشعبين الروسي والأوكراني بعد الحرب، ومن الممكن أن نرى تكثيفا للضربات الجوية، وكلما استهدفت أوكرانيا روسيا بالعمق، تضطر روسيا إلى توسيع عملياتها العسكرية على الحدود لضمان أمنها".

أوكرانيا في الحضن الأوروبي
لم تكتف أمريكا بتخصيص 200 مليار دولار كمساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا، بل وقادت دول الاتحاد الأوروبي إلى عمق الأزمة الأوكرانية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فاليوم، أوروبا توقع اتفاقيات لضخ المزيد من الدعم المالي والعسكري بمقدار 50 مليار يورو في ظل أزمتها الاقتصادية وما يعيشه الشعب الأوروبي من اختناق وتململ من الوضع العام لبلدانه. ومن جهة أخرى، وقّعت بريطانيا ولاتفيا أمس الخميس، على تحالف مشترك لتزويد أوكرانيا بآلاف الطائرات المسيّرة. فهل نقلت أمريكا أعباء الصراع الأوكراني إلى الحضن الأوروبي؟، وما الذي ستجنيه الدول الأوروبية من هذا الدعم؟.


يتابع الدكتور محمود الأفندي: "أصبح من الواضح بالنسبة لمساعدة الدول الأوروبية لأوكرانيا في أنها غير مستفيدة من هذا الدعم بأي شكل من الأشكال، ونعلم جميعا أنّ أوروبا ليس لها سيادة على قراراتها السياسية والاقتصادية أيضا بل هي قرارات الولايات المتحدة الأمريكية، وحين كان اجتماع "دافوس" ودعوة الرئيس زيلينسكي له منذ شهر تقريبا، أصبح من الواضح أن أمريكا نقلت أوكرانيا من حضنها إلى الحضن الأوروبي".


وأشار الدكتور الأفندي إلى موزاين المساعدات الغربية والأوروبية لأوكرانيا بقوله: "اليوم، انقلبت الآية، بات الدعم الأوروبي يشكل 80 بالمئة أو 90 بالمئة على عاتق الأوروبيين، فعليا أمريكا تقوم بابتزاز أوروبا اقتصاديا لأن لديهم مشكلة في عدم وجود ذخيرة كافية وأيضا حرب غزة التي تستنزف الولايات المتحدة من خلال دعم واشنطن لإسرائيل وإرسال ذخيرتها يوميا، ولهذا نقلت أوكرانيا إلى الحضن الأوروبي، وهذا قرار عسكري سياسي بامتياز".

وأضاف  الأفندي: "أوروبا مرغمة على تنفيذ الأوامر، ولا أعتقد أنها ستستطيع تلبية كل الطلبات العسكرية والمادية لأوكرانيا، حتى وإن بدؤوا بالصناعات العسكرية ولكن يلزمهم عشر سنوات كأقل تقدير".

هل يستفيد الغرب من الصراع في غزة؟

رغم محاولات الغرب تصدير صورة مغالطة عن الأزمة في أوكرانيا، أبانت الأحداث في الشرق الأوسط وخاصة في قطاع غزة مدى ازدواجية الموقف الغربي، الذي شاهد بصمت تام قتل الأطفال والنساء الناس المدنيين في غزة دون تحريك ساكن أو تفعيل أي قانون دولي يدين هذه الجرائم، وفي نفس الوقت، حارب روسيا بعقوبات تاريخية بوصفها انتهكت القوانين الدولية في حق أوكرانيا.

الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة بشأن المقاييس التي يتعامل بها الغرب مع الأزمات الدولية، ومساعيه لفرض هيمنته على العالم، حتى وإن كانت على حساب دماء النساء والأطفال؟.

عن ازدواجية الغرب في التعاطي مع أزمتي أوكرانيا وغزة، يقول الأفندي:
"أعتقد أنّ ما يحدث في غزة، لا علاقة له بنظرية المؤامرة من بريطانيا وأمريكا، هما يستفيدان من توسيع الصراع في المنطقة، وهما غير قادرتين على الحروب في عدة جبهات في نفس الوقت، أعتقد قريبا أمريكا ستتنازل عن البحر الأحمر والبحر الأسود وتتجه إلى البحر الصيني الجنوبي، وباعتقادي أنها غير مستفيدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".