بعد طلب «100 جمل أو ألف درهم ذهب» من عصام صاصا.. الإفتاء تحسم الجدل حول الدية الشرعية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

وجهت النيابة العامة تهمة القتل الخطأ لمطرب المهرجانات عصام صاصا بعد أن دهس شخصًا (أحمد مفتاح) بسيارته أعلى الطريق الدائري.

وأعلن المستشار على فايز، محامي المجني عليه، أنه تقدم بشكل رسمي بالادعاء المدني بقيمة 5 ملايين جنيه كتعويض مؤقت، مشيرًا إلى أن هذا المبلغ لا يعد مقابلًا للتنازل، ولكنه إجراء قانوني في الشق الجنائي من القضية.


وكشف آخر تطورات الصلح بين عصام صاصا وأسرة الضحية، موضحًا أنه كان في سبيله لإقناع أهل المتوفى بالتنازل عن القضية وقبول الصلح مقابل الحصول على الدية الشرعية المتعارف عليها.


وأشار إلى أنه وعد عصام صاصا -بعدما أبدى ندمه على الحادث ورغبته في تعويض أسرة القتيل سواء كان الحادث خطؤه أم لا- بإقناع أهل الضحية بالتصالح والتنازل عن القضية، ولكن زوجة عصام قلبت الحال دون قصد، عندما كتبت على حسابها الشخصي إنها تتساوم بالملايين هي وعصام بسبب شهرته، لقبول الصلح، لافتًا إلى أنه يعد اتهامًا مباشرًا لأهل الضحية بإدعاء مدني.


وبين أن الدية الشرعية أمر شرعي راسخ، إذ تقدر بـ 100 من الجمال أو 200 من البقر أو ألف درهم من الذهب أو ما يعادل ذلك من العملة المحلية، أي أكثر من 10 ملايين جنيه.


وشدد محامي المجني عليه، أن أهل الضحية لا يرغبون في الحصول على أي مال أو تعويض عن ابنهم ويرفضون الصلح وخاصة بعد تصريحات زوجة «صاصا»، متابعًا: «لا شيء يعوضهم فقد ابنهم»، ولكنه على استعداد لإقناعهم.


وكانت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الإلكتروني، قد أوضحت أن الدية شرعًا هي المال الواجب في النفس أو فيما دونها، والأصل.


حكم الدية في مَن يُلقي بنفسه أمام السيارة قاصدًا الانتحار ولا يستطيع قائد السيارة مفاداته


في الحالات التي يتعمد فيها القتيل الانتحار ووضع نفسه في نقطة عدم الهروب من سائق السيارة فيموت، لا تُكيَّف هذه الحالات بأنها قتل خطأ، بل ولا يبعد أن يكون من حق سائق السيارة أن يطالب بتعويض من تَرِكة المنتحر جَرَّاء الهلع النفسي والضرر المعنوي البليغ الذي سبَّبَه له نتيجة هذا التصرف الأرْعَنِ غير المسؤول، فضلًا عن الأضرار المادية التي عساها أن تكون قد لحقت به أو بسيارته أو بالممتلكات العامة والخاصة.

 


قد يكون الخطأ محضًا من المقتول، كأن يكون هو الذي أصاب بسيارته سيارة الآخر من الخلف بغير أي تقصير ولا تعدٍّ من الآخر، فحينئذٍ لا يكون هذا من باب القتل الخطأ، وقد يكون هناك خطأ مشترك بينهما؛ ولذلك لا بد من دراسة هذا الصنف كحالات منفردة لمعرفة مدى تسبب فعل قائد السيارة في القتل الخطأ، ولا يصح أن يكون لها حكم واحد عام.


حكم الدية لو كان خطأ قائد السيارة هو السبب في القتل أو كان الخطأ مشترك بينهما


 


قدر الدية في الحوادث المرورية وتعويض المتلفات


ولم يعيِّن اللهُ تعالى في كتابه قدر الدية، والذي في الآية هو إيجابها مطلقًا، وليس فيها إيجابها على العاقلة أو القاتل، وإنما ذلك كله من السنة المشرفة، وقد أجمع أهل العلم على وجوب الدية؛ فمن ذلك ما رواه النسائي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب كتابًا إلى أهل اليمن جاء فيه: «أَنَّ مَن اعتَبَطَ مُؤمِنًا قَتلًا عن بَيِّنةٍ فإنَّه قَوَدٌ إلا أَن يَرضى أَولِياءُ المَقتُولِ، وأَنَّ في النَّفسِ الدِّيةَ -مائةً مِن الإبِلِ-...» إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأَنَّ الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمَرأةِ، وعلى أَهلِ الذَّهَبِ ألفُ دِينارٍ».


وروى أبوداود وغيره عن عِكرِمةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا مِن بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فجَعَلَ النبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم دِيَتَه اثنَي عَشَرَ أَلفًا».

 

وروى أبوداود أيضًا من حديث عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عَن أَبِيه عن جَدِّهِ قال: «كانت قِيمةُ الدِّيةِ على عَهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَمانِمائة دِينارٍ أو ثَمانِيةَ آلافِ دِرهَمٍ.. قال: فكانَ ذلكَ كذلكَ حتى استُخلِفَ عُمَرُ رَحِمَه اللهُ، فقامَ خَطِيبًا فقال: أَلا إنَّ الإبِلَ قد غَلَت. قال: ففَرَضَها عُمَرُ على أَهلِ الذَّهَبِ أَلفَ دِينارٍ، وعلى أَهلِ الوَرِقِ اثنَي عَشَرَ أَلفًا، وعلى أَهلِ البَقَرِ مائَتَي بَقَرةٍ، وعلى أَهلِ الشَّاءِ أَلفَي شاةٍ، وعلى أَهلِ الحُلَلِ مِائَتَي حُلَّةٍ..».


قال ابن عبدالبر: في هذا الحديث ما يدل على أن الدنانير والدراهم صنف من أصناف الدية لا على وجه البدل والقيمة. اهـ من «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي.

 

من يتحمل الدية؟


وأمَّا مَن يتحمَّل الدية عن القاتل القتل الخطأ فهم العاقلة؛ لما ثبت من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قضى بدية القتل الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به، فإن القاتل لو أُخِذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله؛ لأن تتابع الخطأ لا يُؤمَن، ولو تُرِك بغير تغريم لأُهدِر دم المقتول.


وعاقلة الإنسان هم عصبته، وهم الأقرباء من جهة الأب، كالأعمام وبنيهم، والإخوة وبنيهم، وتقسم الدية على الأقرب فالأقرب، فتقسم على الإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم، ثم أعمام الأب وبنيهم، ثم أعمام الجد وبنيهم؛ وذلك لأن العاقلة هم العصبة.

 

وعاقلة الرجل عصبته من النسب، فيُبدأ بفخذه الأدنى، فإن عجزوا ضُمَّ إليهم الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبة النسب، ثم من بيت المال.

 

والحكم في الدية أن تقسَّط على العاقلة على ثلاث سنين على ما قضاه عمر وعلي رضي الله عنهما، وإنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيها دفعة واحدة لأغراض: منها أنه كان يعطيها صلحًا وتسديدًا، ومنها أنه كان يعجلها تأليفًا، فلما تمهَّد الإسلام قَدَّرَتها الصحابة على هذا النظام؛ قاله ابن العربي.


الدية على العاقلة لا تكون إلا في 3 سنين


وقال ابن عبدالبر: أجمع العلماء قديمًا وحديثًا على أن الدية على العاقلة لا تكون إلا في ثلاث سنين ولا تكون في أقل منها، وأجمعوا على أنها على البالغين من الرجال، وأجمع أهل السِّيَر والعلم أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة، فأقرَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام، وكانوا يتعاقلون بالنصرة، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان، واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به، وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا زمن أبي بكر ديوان، وأن عمر جعل الديوان وجمع بين الناس، وجعل أهل كل ناحية يدًا، وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو.


الأخذ بقيمةِ أقل صنف من أصناف الدية


ولما كان هذا النظام غير متهيئ على كل الأحوال في عصرنا هذا، فإنا نرى الأخذ بقيمةِ أقل صنف من أصناف الدية، ولأن الأصل براءة الذمة مما زاد على ذلك، وذلك متحقِّقٌ في الفضة، فتكون الدية اثني عشر ألف درهم، والدرهم عند الجمهور جرامان وتسعمائة وخمسة وسبعون من الألف من الجرام تقريبًا، فيكون جملة ما هنالك خمسة وثلاثين كيلوجرامًا وسبعمائة جرام من الفضة، تقوَّم هذه الكمية بسعر السوق طبقًا ليوم ثبوت الحق رضاءً أو قضاءً، ثم تقسَّط على ما لا يقل عن ثلاث سنين، وتتحملها العاقلة عن القاتل، فإن لم يمكن فالقاتل، فإن لم يستطع جاز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة.


التصالح في أمر الدية


والتصالح في أمر الدية بالعفو أو بقبول قيمة أقل أمر مشروع بنص القرآن الكريم؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: 92]، ويقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: 178]، وقد فوَّضَ الشارع الحكيم لأهل القتيل التنازل عن الدية أو عن بعضها تخفيفًا عن القاتل إن لم يتيسَّرْ دفعها أصلًا أو دفعها كلها، وقبول الدية جائز شرعًا؛ لأنها حق لأهل القتيل، فلهم قبولها أو التنازل عنها أو التصالح على جزء منها.
 

الكفارة


وأما الكفارة الواردة في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: 92]، فالجمهور على أن المراد: فمن لم يجد عتق رقبة صام شهرين متتابعين، فيكون الصيام غير مُسقِط للدية بحال، قال الضحاك: الصيام لمن لا يجد رقبة، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء، هذا قول الجمهور.
وذهب مسروق والشعبي إلى أن صيام الشهرين يجزئ عن الدية والرقبة معًا لمن لم يجد. رواه الطبراني عن الشعبي عن مسروق بسند صحيح.

وهذا القول الثاني رده الطبري وغيره بأن الدية إنما هي على العاقلة لا على القاتل، والكفارة على القاتل لا على العاقلة، فكيف يجزئ هذا عن هذا.

والذي نراه أن هذا المذهب يُتصور فيمن لا عاقلة له تدفع عنه الدية، ولا مال له يفي بها ولا يجد أحدًا يعطيه من الزكاة ليؤديها، فحينئذٍ يكون صوم الشهرين مجزئًا عن الدية والرقبة معًا، والله تعالى يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].


دية غير المسلم ذكرًا أو أنثى كدية المسلم


ودية غير المسلم ذكرًا أو أنثى كدية المسلم في ذلك، على ما عليه السادة الحنفية، يستوي في ذلك من كان مواطنًا أو من دخل بلادنا بعهد وأمان.


ولما تبين أن دية القتل الخطأ إنما تكون على العاقلة لا على القاتل، فإنه يتضح أنه لا عبرة في ذلك بعمر القاتل خطأً: هل كان صغيرًا غير مكلف أم كبيرًا مكلفًا؟ لأن الذي يغرم الدية لأهل القتيل هو عاقلة القاتل، لا هو.


ما تدفعه شركات التأمين يكون جزءًا من الدية الواجبة على العاقلة


وما تدفعه شركات التأمين سواء أكان التأمين إجباريًّا أم اختياريًّا يكون جزءًا من الدية الواجبة على العاقلة؛ فيُخصَم مما وجب عليهم دفعُه لأولياء المقتول.
الدية يأخذها ورثة القتيل بأنصبائهم الشرعية


والدية يأخذها ورثة القتيل بأنصبائهم الشرعية المقررة للميراث، وأما ما يفسد ويتلف من ممتلكات عامة أو خاصة فهي تحت بند ضمان المتلفات؛ سواء أكان مُتْلِفها صغيرًا غير مكلف أم كبيرًا مكلفًا، والإتلاف المشترك يتحمَّل فيه كل مُتْلِفٍ -لا عاقلته- بقدر ما أتلف، ومرجع ذلك لأهل التخصص والخبرة المحايدين.


دية المواشي


أما المواشي فليس لها دية، ولكنها تكون من المتلفات التي يجب تعويضها من مال المُتْلِف.


حالات يكون لأهل القتيل تعويض مادي فوق الدية


وتكييف الحوادث المرورية التي يترتب عليها وفيات بأنها قتل خطأ إنما يكون في شِقٍّ منها، وقد يظهر من التحقيقات والتحريات وشهادة الشهود وقرائن الأحوال ما يدلُّ على ما هو فوق ذلك مِن حالات يكون فيها تربص من القاتل بالمقتول، أو تعمد لإصابته بدرجة ما: ففي الحالة الأولى يكون القتل قتل عمد وعدوان، وفي الحالة الثانية قد يكون قتل عمد أو شبه عمد حسب درجات الإصابة وطريقتها، وقد يكون مع القتل الخطأ أنواع من الخطأ الجسيم نتيجة لمخالفات مرورية فاضحة؛ كتجاوز السرعة أو السير في الممنوع أو عدم استيفاء السيارة لضوابط السلامة، أو القيادة في حالات السُّكْرِ البيِّن، أو غياب العقل بمخدِّر، أو حالات التدرب على القيادة للمبتدئين في الطرق العامة، أو قيادة الأحداث للسيارات وما شابه ذلك، وفي مثل هذه الحالات يكون لأهل القتيل تعويض مادي فوق الدية بما يناسب كل حالة، يكون المرجع في قيمته لتقدير القاضي وفق المعايير والسوابق وملابسات كل حالة، والضرر الواقع على أهل القتيل وغير ذلك.