منال لاشين تكتب: لهذه الأسباب ضاعت مليارات الإمارات من مصر

مقالات الرأي



لـ «القاهرة» لا لـ «أبوظبى»

■ بعد معاناة مع الوزراء والموظفين طلبوا التعامل مع الجيش والبنك المركزى

■ نموذج الإمارات قد يجيب عن تساؤل حول فتور العلاقات الخارجية لمصر رغم البدايات القوية

■ الإمارات دفعت من 3 سنوات 20 مليون دولار لشركتين عالميتين لإنقاذ الاقتصاد

■ الخطة كانت توفر 3,3 مليون فرصة عمل و70 مشروعًا صناعيًا وزراعيًا وتعدينياً

■ حكومات محلب وشريف أهملوا الخطة وأخيرا اضطررنا لقرض البنك الدولى


يقولون إن الوجد تفضحه عيونه، والحب كالعطر يصعب ألا تشعر به، وفى القلب يأتى الحب الأول بعواصفه وقوة مشاعره، ونهايته التعيسة فى أغلب العلاقات ولم أحدثكم بالطبع عن قصص حبى الفاشلة، ولكننى أقصد العلاقة بين مصر والإمارات. لأنها بالفعل قصة حب أصابها الفتور الذى يعترى علاقات البشر أحيانا. فبعد ثورة 30 يونيو كانت الإمارات الدولة الأكثر حماسا لمساندة ودعم مصر. لا أقصد المنح والودائع المالية فقط، ولا أتحدث عن تدفق استثمار فحسب. فما قدمته الإمارات أكبر وأهم من المنح والودائع والاستثمارات، على بلاطة أهم من الفلوس، أو «الرز» بتعبير البعض. فخلال السنوات الثلاث الماضية لم تدخر الإمارات لمساندة مصر، كانت تحلم لمصر كأنها تحلم لنفسها، وتسعى لمصلحة مصر مثلما تسعى لمصلحتها. خلال علاقتنا بالإمارات أضعنا فرصا عديدة، ودفعنا كشعب ثمن ضياع الفرص الاقتصادية. أهملنا خطة إصلاح الاقتصاد المصرى، حتى وقعنا فى فخ صندوق النقد، وتجاهلنا تنفيذ المشروعات المدعمة من الإمارات، نفذنا نسبًا قليلة ومخجلة من هذه المشروعات. لم نترك فرصة إلا وعقدنا إجراءات الاستثمار لكل المستثمرين، ومن بينهم الإماراتيين، والعلاقات بين الدول مثل العلاقات بين البشر. فلكل منا طاقة على الاحتمال، وقد تفتر العلاقات لأن أحد الأطراف أوصل الطرف الآخر إلى الانسحاب أو ربما اليأس.

وربما تكشف حكاية شركة بوز ولاجارد النموذج المصرى فى ملف العلاقات المصرية الإماراتية، وبالتأكيد فى ملف كل علاقات مصر الخارجية. ربما تجيب قصتنا أو بالأحرى «وكستنا» مع الشركة لماذا تفتر علاقتنا ببعض الدول الصديقة بالخارج، وتتحول إلى مجرد فوران زجاجة صودا.


1- إعادة هيكلة

بعد ثورة 30 يونيو مباشرة، فكرت الإمارات فى خطة بعيدة المدى لإنقاذ الاقتصاد المصرى، خطة تعيد له الروح بعيدا عن المنح والودائع، وتجعله من الاقتصاديات القوية على مستوى العالم، وعرضت الإمارات على مصر الاستعانة بكبرى الشركات العالمية لوضع خطة شاملة لإصلاح الاقتصاد، وإنهاء «نقاط الألم» أو مواطن شكاوى المواطن المصرى، ووافقت الحكومة المصرية، فلم تكذب الإمارات الخبر وقامت بالاتفاق مع شركة لازارد الفرنسية كمستشار مالى وشركة بوز كمستشار استراتيجى، وتحملت الإمارات نحو 20 مليونًا دفعتها للشركتين، وبعد أشهر ومئات الاجتماعات، وآلاف الساعات من العمل مع جميع مؤسسات الدولة، انتهى الأمر بوضع خطة للإصلاح المالى وآخر للاستثمار.

المثير أن خطة الإصلاح المالى لا تختلف كثيرا عن خطة أو بالأحرى شروط صندوق النقد الذى هرولت إليه الحكومة.. كانت خطة الإنقاذ المالى على ثلاث سنوات تتضمن إصلاح منظومة الدعم، وتجميد الزيادة فى مرتبات الموظفين «تقليل الإنفاق على الموظفين» وتطبيق ضريبة القيمة المضافة والإصلاح الضريبى وبيع الأصول وإصدار قانون تعدين وثروة معدنية جديد.

وكما لاحظت فإن معظم البنود تتوافق مع اتفاق قرض صندوق النقد، ولكن هناك فارقًا فى الظروف المحيطة. فلو أخذت الحكومة بخطة بوز ولازارد منذ ثلاث سنوات، لكانت فاتورة الإصلاح على المواطن أقل. فقد كان المواطن أكثر قابلية للتحمل وأكثر حماسا لمساندة البلد، وكانت الأسعار أقل من هذه الأيام بنسبة كبيرة ومؤثرة، وكان سعر الدولار فى السوق السوداء نحو 8 جنيهات فقط، وسعره الرسمى لم يجاوز 7.20 جنيه. باختصار كانت كل الظروف تسهل تنفيذ خطة الإصلاح، وتقلل من أعباء تنفيذها على المواطن المصرى من الطبقة المتوسطة أو الفقراء، ولكن الحكومة ماطلت وتجاهلت الخطة، ربما لأنها لم تضمن كام مليار دولار، وهرولت بعد ثلاثة أعوام لتنفيذها من أجل 12 مليار دولار من صندوق النقد. فلا شىء يحرك الحكومات المصرية المتعاقبة سوى الأموال أو القروض السريعة.


2- إحياء الاقتصاد

لم تكن خطة لازارد أو بوز مجرد توفير أو ترشيد نفقات، ولكن الأهم فى هذه التجربة كانت إحياء الاقتصاد بمشروعات متنوعة وصناعية. فقد وضعت الخطة 70 مشروعا. تغطى هذه المشروعات معظم مجالات الاقتصاد المصرى، والقطاعات الرئيسية فى الخطة كانت الطاقة والزراعة والسياحة والإسكان والمنسوجات والتعدين، وبحسب الخطة كانت هذه المشروعات قادرة على توفير 3,3 مليون فرصة عمل خلال ثلاث سنوات، ولكن الأهم أن هذه الخطة أو بالأحرى هذه المشروعات كانت قادرة على احياء الاقتصاد المصرى من خلال تنوع الاهتمام بالقطاعات المختلفة والمتنوعة، وكان حجم الاستثمارات المقترحة خلال الفترة 50 مليار دولار، وهو رقم كان قادرا على إنهاء أزمات مصر فى الدولار تماما، والخطة كانت تستهدف الفترة الزمنية من 2015 إلى 2018، ولو كانت الحكومة أخذت الخطة بجدية لكنا بدأنا العام المقبل بجنى ثمار هذه الخطة الاستثمارية، ولكن الوقت لا يعنى الكثير أو القليل لهذه الحكومات. بالنسبة لهذه الحكومات كل شىء وأى شىء قابل للتأجيل والتطنيش والإهمال والتجاهل... كل شىء وأى شىء إلا الفلوس الكاش.


3- غابة الحكومة

لم تكن قصة لازارد وبوز على خطورتها هى الأزمة الوحيدة فى العلاقة الاقتصادية بين مصر والإمارات. فالحكومة المصرية هى غابة متشابكة الأشجار والعلاقات. غابة لا يحترم فيها القوانين أو بالأحرى لا يمكن أن تصل فيها بسهولة للقوانين فضلا عن احترامها، وهذه الغابة هى السبب الرئيسى فى وقوف الاستثمارات على أبواب مصر. تؤخر رجلاً وتقدم الأخرى. لم أتحدث عن مشاكل المستثمرين الإماراتيين أو العرب، ولكننى سأذكر بقصة قائمة المشروعات العامة التى انفقت عليها الإمارات فى مصر. فبالإضافة إلى المنح والودائع عرضت الإمارات أن تمول عددًا من المشروعات العامة المتنوعة فى جميع المجالات، وأن تختار الحكومة بالطبع المشروعات، وتضع قائمة نهائية بها، وتنوعت المشروعات ما بين المدارس والمستشفيات وصوامع القمح، وكان كل شىء يسير ببطء السلحفاة. مشاكل فى توفير الأراضى، وخناقات ما بين الوزارات على ولاية الأراضى وتبعية المشروعات، وبطء التنفيذ، وسعى الجانب الإماراتى للخروج من هذه الغابة. فاقترحوا على الجانب المصرى لتحقيق السرعة والإنجاز اقتراحًا مهمًا وكاشفًا. فقد اقترح الجانب الإماراتى التعامل مع الجيش والبنك المركزى.

الآن يجب أن نتذكر هذه القصص وغيرها بالطبع لنحافظ على حرارة علاقتنا الخارجية مع الأشقاء والشركاء. الآن يجب أن نتعامل بحرص أكبر معهم. ألا نقطع وعودًا إلا إذا كنا قادرين على الوفاء بها، وألا ندخل صفقة إلا ونحن جادون فى تنفيذها، وألا نورط الأصدقاء فى الإنفاق على خطة إلا وتلتزم ببنودها. أن نأخذ أمورنا وعلاقاتنا واتفاقاتنا الخارجية بمنتهى الجدية. يجب أن تكون سرعتنا متوافقة مع سرعة الآخرين تجاهنا، خاصة عندما تكون خطواتهم السريعة لدعمنا، والوقوف بجانبنا.. يجب أن نتخلص من تركيز الحكومة السخيف والمهين على المنح والودائع والقروض. فهناك أساليب وطرق متعددة للمساندة والدعم. شراكة اقتصادية مشروعات استثمارية خبرات دولية.

ببساطة وعلى بلاطة يجب ألا نوصل الآخرين إلى الانسحاب أو الإحساس بعدم الجدية أو اليأس. هذه القاعدة لا تنطبق فقط على علاقتنا الاقتصادية بالإمارات، ولكننى اخترت الإمارات لأنها نموذج صارخ لتعامل الحكومة فى ملف العلاقات الخارجية. نموذج يجيب عن تساؤل مهم طرح بأكثر من طريقة. لماذا تفتر علاقتنا الخارجية؟ لماذا لا تتحول الأرقام والاتفاقيات إلى واقع. لماذا نشعر بخيبة أمل من محصلة أو نتائج علاقاتنا الخارجية؟


الإجابة .. طلعت حرب

إذا كان البعض يظن أن تونس هى الإجابة فى مستقبل دول الربيع العربى، فمن المؤكد أن طلعت حرب هو الإجابة فى مستقبل الاقتصاد المصرى. ولذلك كان من البديهى أن تتجاهل الدولة بكل مؤسساتها الاحتفال بمرور 75 عاما على وفاة زعيم الاقتصاد الوطنى، لأننا نختار الإجابات الخاطئة عن الأسئلة المتعلقة بالاقتصاد.

لم يترك طلعت حرب مجالا اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا إلا وقام بتمصيره بدءا من بنك مصر مرورا بصناعة الطيران والنسيج والطباعة انتهاء بالسينما والمسرح والأزياء.

وقف طلعت حرب من خلال بنك مصر وراء اقتحام المصريين كل الصناعات والمجالات.

لاحظ طلعت حرب أن المصريين لا يقبلون على تجارة التجزئة أو البقالة. وأن هذا المجال مقصور على الأجانب. فشجع شاب مصرى على افتتاح أول بقالة مصرية، وشارك طلعت حرب بكل مكانته الشباب فى المشروع ليعطيه هو وغيره دفعة معنوية. وكان مجال الأزياء مقصورا على الأجانب فقط. فمنح مصرية قرضا لتفتح أول بيت أزياء مصرى. فاهتمامه لم يكن مقتصرا على الصناعة فقط، وإن كانت إسهاماته فى الصناعة تفوق الوصف. بشكل عام فقد أنشأ شركات وصناعات فى كل المجالات الكبرى.

ولو كان طلعت حرب بيننا الآن، ولو كان رئيسا لبنك أو وزيرا أو مسئولا فى أى هيئة لتغير شكل مصر. فقط كان طلعت حرب سيبحث عن كل مجال تخلفت عنه مصر، ولم تدخل عصر العولمة فيه. وسيقوم باختيار شباب جاد للسفر، ودراسة الملف ثم يبدأ المشروع.

لو كان طلعت حرب لا يزال بيننا لما توحش الاستيراد، ولما انهارت صناعات مصرية بعد عزها. ولما خسرنا كل المعارك أمام كل الدول فى الأسواق.

ولم أضيع وقتك ووقتى فى العتاب أو الغضب. بشكل عملى أقترح على بنك مصر اقتراحا محددا. أقترح على بنك مصر جمع كل الشركات التى أنشأها طلعت حرب تحت مظلة البنك. واختيار 100 فكرة على الأقل لـ100 شاب. أفكار غير تقليدية وخارج الصندوق. أفكار قد تشم رائحة الجنون فيها. فقد كانت بعض مشروعات طلعت حرب تمثل جنونا فى عصره.

بعد اختيار المائة فكرة المجنونة، وبلغة البنوك أفكار لمشروعات عالية المخاطر الائتمانية. ولا يجب أن يكتفى البنك بتقديم القرض بفائدة منخفضة فقط، بل تقديم كل أشكال الدعم لأصحاب هذه الأفكار أو المشروعات. افتحوا النوافذ والأبواب لهذه الأفكار وسيجنى الوطن الكثير والكثير. حتى لو كان النجاح من نصيب 50% فقط من هذه المشروعات. فإن نتائج هذه النسبة ستدهش الكثير من المسئولين وستترك آثارا رائعة على المجتمع المصرى، ولكنها لم تدهش طلعت حرب. ربما فقط تريحه قليلا فى قبره، لأنها ستنفخ بعضا من روح طلعت حرب فى اقتصادنا. اقتصاد يبدأ بحلم وطنى يضيف للاقتصاد المصرى كل يوم مشروعا جديدا أو بالأحرى شريانا جديدا.