الحكومة تقترض من السوق العالمى 3 مليارات بفائدة 6٪ وتحت قدميها 5 مليارات دولار من صفقتى «فودافون» و«المصرف المتحد»

العدد الأسبوعي

المهندس شريف إسماعيل
المهندس شريف إسماعيل - صورة أرشيفية


خطاب اليأس

رئيس الحكومة للنواب: البلد هيقع من غير قرض الصندوق

وزير المالية بشّر «دعم مصر» بـ«الخراب المستعجل» إذا لم يمرروا «الضريبة الجديدة»

يتعلق الغريق بقشة، وتتعلق الحكومة بالسلف والدين، ولا تعرف مخرجا لأزمتها الاقتصادية سوى بيع المزيد من ثروة مصر من الأراضى، واقتراض مزيد من الدولارات. حين تسمع الحكومة رئيسها أو وزرائها فى الجلسات المغلقة تشعر أن البلد ضاع أو هيضيع غدا، وأنه لا حل فى الدنيا سوى قرض صندوق النقد وضرائبه ونصائحه. فى الحقيقة لا تجيد الحكومة سوى لعب دور السمسار والمقترض فقط.

لا أنكر أن وضعا صعبا جدا يمر به اقتصادنا، وأننا نواجه تحديات خطيرة ربما لم تتكرر حدتها من قبل.

وأدرك أن ثمنا صعباً وفاتورة ضخمة تنتظرنا للوصول إلى الإصلاح الاقتصادى الحقيقى، وأننا سنصل إلى بر الأمان عبر جسر من التضحيات، ولكن الحكومة تضحى بالفقراء فقط، ولا ترى طرقاً أخرى للإصلاح، ولا تنظر سوى للسلف وبيع الأراضى فقط، ولذلك سيطر اليأس على الحكومة لأن قصر النظر لا يتيح لها أن ترى الفرص التى تقع تحت قدميها المشلولتين.

1- حوار اليأس

خلال الأسابيع الماضية عقد رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل وعدد من وزرائه لقاءات مغلقة مع النواب. رئيس الحكومة التقى رؤساء الهيئات البرلمانية ووزير المالية عمرو الجارحى التقى بنواب دعم مصر، ووزراء آخرين التقوا نوابا خلال جلسات اللجان، ومحصلة كل الحوارات أن البلد رايح فى داهية، ولكن اللقاءات المغلقة تميزت بجرعة زائدة من اليأس، واستخدمت عبارات من العيار الثقيل جدا. رئيس الحكومة قال للنواب إن البلد ممكن يقع، وذلك خلال حديثه أو بالأحرى تبريره للإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والمرتبطة بقرض الصندوق، ومن التعبيرات التساؤلية الأخرى لرئيس الحكومة أن الوضع ينذر بكوارث، ورسم رئيس الحكومة صورة شديدة السواد والبؤس للاقتصاد المصرى الذى كاد يلفظ أنفاسه لولا قبلة الحياة من صندوق النقد، وقد أكمل وزير المالية الصورة المأساوية وفى لقاء ائتلاف دعم مصر استخدمت تعبيرات من نوع «البلد ممكن يخرب لو لم نسرع بالإجراءات الإصلاحية».. و«أنه لا بديل عن الإصلاح إلا الخراب»، وبالطبع كان وزير المالية يحث النواب أو يرغبهم للموافقة على قانون القيمة المضافة، وتمريره فى أقصى سرعة، وبنفس سعر الضريبة التى قدمتها الحكومة للنواب.

فى الحالتين أو بالأحرى اللقاءين لقاء رئيس الحكومة أو وزير المالية سادت لغة العجز، وشاعت عبارة لا بديل عن التضحية والسلف والدين، والحكومة تقترح طريقاً للسلف أحدهما قرض الصندوق، والآخر طرح سندات دولارية بقيمة 3 مليارات دولار، وبفائدة تتراوح من 5،5 % إلى 6%، وهى فائدة خرافية.

فى اللقاءين وفى كل اللقاءات المماثلة لا توجد خطة غير السلف، دائما تحدثنا الحكومة عن المستهدف من القروض، دون أن تتطرق للمستهدف من الاستثمار.

وأخيرا لجأت الحكومة إلى إعادة بيع الأراضى التى تم سحبها. مرة أخرى ندور فى فلك بيع الأراضى، ومن حيث المبدأ لا اعتراض على إعادة البيع، ولكن المشكلة أن خطة البيع يجب أن تتم على المدى المتوسط لسبب اقتصادى، لأن طرح أراضٍ عديدة سيزيد المعروض ويقلل أسعار الأراضى.

2- ثروة مهملة

مع التأكيد على الأزمة الطاحنة إلا أن مصر لديها حلول أفضل وأسرع للخروج من الأزمة، وهذه الحلول ستحل مشاكل للمصريين، وتحقق بعضا من أحلامهم. كان لدينا حلم بأن تمتلك الشركة المصرية للاتصالات شبكة محمول، ولو تحقق الحلم. فإن الشركة ملزمة ببيع حصتها فى فودافون طبقا للقانون، وهذه الحصة تفوق قيمتها 3 مليارات دولار، دون الحاجة إلى طرح سندات، ولكن الأهم أننا سنحقق حلما عزيزا للمصريين.

ويملك البنك المركزى البنك المصرى المتحد، وهو وضع خاطئ قانونا، ولو صححنا هذا الخطأ وطرحنا البنك بسرعة للبيع، فسوف نحصد نحو 2 مليار دولار.

وتهرول الحكومة وراء رجال الأعمال الهاربين للتصالح معهم، وبحجة الأزمة المالية وتشجيع الاستثمار تناست الحكومة الجانب الأخلاقى وقواعد العدل، ولكن نفس الحكومة ترفض منح ملايين المصريين فرصة أخرى مع المصالحة الضريبية. ملايين من البسطاء والصغار لا يسددون الضرائب ولا يتعاملون معها، وهو الأمر الذى يضيع على البلد مليارات من الجنيهات كل عام، والمطلوب فقط فتح باب التصالح معهم، وعدم محاسبتهم على جريمة التهرب الضريبى فى السنوات الماضية، وهذا الحل أو التصالح سيدخل ملايين المصريين فى المنظومة الضريبية، ويضخ فى الوقت نفسه مليارات الجنيهات فى الموازنة المصرية، ولكن الحكومة ترفض المصالحة الضريبية مع الطبقات الفقيرة، وتهرول للتصالح مع كبار رجال الأعمال، وحجتها أن هذه المصالحة تظلم المواطن الذى التزم بالقانون، وبالطبع تتجاهل الحكومة أن التصالح مع رجال الأعمال فى جرائم الاعتداء على المال العام هو ظلم لكل مواطن ضاع حقوقه على أيديهم. كما تتجاهل الحكومة أن إيقاف العمل بضرائب البورصة هى قمة الظلم لدافعى الضرائب.

هذه مجرد أمثلة أو بالأحرى مثالين فقط من عشرات الأمثلة لضخ الحياة فى شرايين الاقتصاد المصرى، ولكن الأهم من الأمثلة هو توقف خطاب اليأس القادر على دفع الناس للانتحار. بالطبع اقتصادنا مريض، ولكن أكبر أمراضه وأخطرها هو القائمون على إدارته.. كفاية فشل.