الحكومة تبدأ تدمير أشهر قرية سياحية بالفيوم

العدد الأسبوعي

أجمل الطرز المعمارية
أجمل الطرز المعمارية مهددة بالإزالة


استغلالاً لأوامر السيسى باسترداد أراضى الدولة


بمجرد أن تطأ قدماك قرية تونس، بمحافظة الفيوم تشعر أنك فى أجمل بقاع الأرض، اللون الأخضر فى كل مكان والمبانى ذات طراز رائع صممته عين ويد مبدعة، وسط ورش صناعة الفخار التى يعمل فيها كثير من أهالى القرية، وفنادق سياحية، ولكن هذا كله مهدد بزعم تنفيذ أوامر الرئيس عبد الفتاح السيسى بإزالة التعديات على أراضى الدولة وتقنين الأوضاع.

بداية القرية زيارة الشاعر سيد حجاب وزوجته السويسرية الفنانة المتخصصة فى أعمال الخزف، إيفيلين بوريه، اللذان أحبا المكان وبنيا منزلاً على قطعة أرض اشترياها فى ستينيات القرن الماضى، ودعيا أصدقائهما من الكتاب والفنانين والنقاد من مصر والعالم لزيارة الجنة الصغيرة.

أصيب الزوار بالعدوى، فقلدوا حجاب وإيفيلين، فى الفكرة وطراز المنزل الذى يعيشان فيه وجاء آخرون بنوا فنادق وفيللات وصلت لـ300 فيللا حيث أصبحت القرية إحدى أهم القرى السياحية والتى لم تتأثر بأى أجواء سياسية أثرت على قطاع السياحة فى السنوات التى أعقبت الثورة، باستثناء تردى الخدمات وفشل المحافظين فى توفيره.

هذه التجربة الرائعة مهددة بالانتهاء بأسوأ مما كان يحلم به الراحل سيد حجاب أو شريكته فى الحلم السويسرية إيفيلين، لأن هذا الجمال الذى يجتذب الآلاف سنويا من مصريين وأجانب مهدد بالزوال بعد أوامر الرئيس عبد الفتاح السيسى، باسترداد أملاك الدولة من واضعى اليد، حيث طالب مجلس المدينة من حائزى الأرض بالقرية بتقنين أوضاعهم، وسداد 500 جنيه عن كل متر، ليصبح وجودهم قانونى رغم أنهم دفعوا ثمن الأرض لملاكها من أهالى القرية الذين ورثوها عن آبائهم من عشرات السنين.

قال علاء أبو طالب، ٣١ سنة، مالك ورشة فخار فى القرية إنه يعمل فى المجال منذ ١٧ عاماً، واشترى قطعة أرض منذ عام، وأقام الورشة، واستيقظ من نومه منذ أيام ليجد مجلس المدينة وقوات الأمن تهدم السور الخاص بالورشة بعد قرار الرئيس الأخير بإزالة التعديات على أراضى الدولة، موضحاً أن هذا القرار يخص المستثمرين الكبار الذين وضعوا أيديهم على مئات وآلاف الأفدنة وليس على قرية تونس التى جعلها أهلها قرية سياحية كبيرة ومقصداً لآلاف السائحين.

أبو طالب قال أيضاً: إن أهل تونس هم من جعلوا القرية فى هذه المكانة والدولة لم تتدخل ولم تساعدهم فى شيء، باستثناء كتابة لافتة «قرية تونس السياحية»، عند مدخل القرية، العام الماضى.

ويكشف أبو طالب حقيقة ما يحدث فى القرية بالتأكيد أن المسئولين وجدوا أن قرية تونس أصبحت مشهورة فأرادوا قطعة من «التورتة»، مشيراً إلى أنه اشترى أرض الورشة بمساحة 3 قراريط من شخص ورث الأرض عن أبيه وأجداده بـ٧٠ ألف جنيه للقيراط، ومجلس المدينة يريد منه ومن غيره تقنين الأوضاع وشراء الأرض مجدداً بعد سداد ٥٠٠ جنيه عن المتر، رغم أن نفس الجهات وضعوا للقرية المجاورة ٥٠ جنيهاً للمتر فقط، موضحا أنه دفع كل ما يملك لشراء الأرض ولايزال يدفع، فيما يطالبه مجلس المدينة بـ٣٠٠ ألف جنيه إضافية.

ليس أمام أبو طالب سوى أمرين كلاهما مر، الأول دخول السجن لعدم قدرته على سداد الديون أو التخلى عن الأرض لتبيعها الدولة بعد ذلك لأى مستثمر فى المزاد، موضحاً: المسئولون يريدون تطبيق هذا القرار على كل الفنادق والورش والأراضى بقرية تونس، ما يعنى أن أراضى القرية ستذهب إلى الأغنياء القادمين من الخارج القادرين على سداد المبالغ الطائلة المطلوبة، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الأهالى مضطرون لسداد ثمن شراء أراضيهم مرة أخرى أو التخلى عنها لعدم وجود مستندات إثبات ملكية.

طالب أبو طالب الحكومة بمساواتهم بالقرية المجاورة المقدرة أراضيها بـ٥٠ جنيهاً للمتر، خصوصاً أن الإصرار على التقدير الجزافى يهدد مشروعات القرية بالإغلاق والأهالى العاملين فيها بالتشرد، خصوصاً أن الورش والفنادق مصدر رزقهم الوحيد، موضحاً أن الحكومة لم تقدم أى شىء للقرية لأنها صنعت نفسها بنفسها وجهد أهلها، الذى دفع آلاف السائحين إلى زيارة المكان، وبدلاً من محافظة الدولة على القرية وتطويرها تحارب الأهالى الذين صنعوا جنة صغيرة فى الفيوم.

وقال حسين سعداوى- أحد العاملين بمدرسة الفخار بالقرية- إنهم حضروا اجتماعاً مع رئيس مجلس المدينة، منذ نحو 3 أسابيع، وقال لهم إن قرية تونس كنز وطالبهم بمساعدتهم لبناء نقطة شرطة بوسط القرية رغم أن وجود النقطة يضر المكان لأن الضباط والأفراد سيكونون مستهدفين من أطراف المشكلات والنزاعات بالقرى المجاورة التى ستخدمها النقطة ومن الممكن أن يعتدى هؤلاء على النقطة ما يهدد أمن القرية وسائحيها، موضحاً أن الحاضرين نصحوا رئيس مجلس المدينة أن يتم بناء النقطة عند بحيرة قارون قرب القرية وليس داخلها ولكنه لم يوافق وتمسك برأيه.

سعداوى كشف أن مجلس المدينة لم يهتم بالاستجابة لطلبات تقنين الأوضاع التى سبق وتقدم بها كثيرون من الذين يعيشون بالمنطقة، لافتاً إلى القرية تضم 12 ورشة كل واحدة تضم 5 عمال على الأقل، وفى الفترة الماضية تم وضع لافتات مكتوب عليها «مغلق» على كل ورشة وفندق تضامناً مع صاحب ورشة هدمت حملة أمنية سور ورشته.

يتمسك سعداوى بطلبات زميله السابق والتى تتلخص فى محاسبتهم على 50 جنيهاً للمتر مثل المناطق المجاورة، خصوصاً أن السعر المعروض يعرض القرية للزوال وتشريد سكانها لأن 60% منهم مصدر رزقهم قائم على ورش الفخار والفنادق.

ويقول شريف سمير صاحب فندق سبك، فى القرية، إنهم هم من بنوا القرية التى تضم فلاحين وقاهريين وأجانب، موضحاً أن الإجراءات الجديدة ستقف حائلاً أمام مصدر رزق جميع المقيمين رغم أن القرية مكان لجذب السائحين خصوصاً أنهم الذين أسسوها، منبهاً إلى أنه ليس لديه مصدر دخل آخر ويعمل فى الفندق ٢٠ فرداً من القرية التى تضم ٨ فنادق تساهم فى توفير دخول لمئات الأهالى بالقرية.