"أم بديلة".. حكاية شابة فلسطينية ترافق رضيعًا حرمه الاحتلال من والدته

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


بينما كانت الشابة الفلسطينية "أنوار ارفاعية"، تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالعت صورة لطفل رضيع في حالة صحية حرجة، ويقبع في مستشفى الهلال الأحمر بالخليل وحيدًا، بعد أن حالت سلطات الاحتلال بينه وبين أمه القاطنة في مدينة غزة، وفي اليوم التالي مباشرة، لم تشعر أنوار بنفسها إلا وهي أمام العناية المركزة "بالرغم من إنه ممنوع حد يفوتها"، تقول الفلسطينية لـ"الفجر".








قبل أن يُسمح لأنوار بمرافقة الرضيع الفلسطيني، ظلت لأكثر من يوم تتردد على المستشفى، كي تطمئن على الحالة الصحية له، كذلك تبحث عن الوسيلة التي تمكنها من ملازمته والمكوث معه طوال اليوم، ليسوق القدر إليها جد الطفل "حكيت معه على أساس إنه ما فيش مرافق للطفل"، ومن الصعب عليه أن يعود أدراجه إلى غزة وهو في تلك الحالة "قلبي ما طاوعني يرجع وهو موجوع ومريض"، حيث يعاني من كسر بالعظم والتهاب في الرئتين، حينها طلبت من جده أن تكون بديلًا عن أمه التي لم تتمكن من الحضور بسبب تعنت قوات الاحتلال، وتقوم على رعايته وخدمته.







مَنع الاحتلال أم الطفل من أن تصحبه من غزة إلى مستشفى الهلال الأحمر بالخليل الواقعة بالضفة، كان ذلك هاجسًا سيئًا لصاحبة الـ24 عامًا، من أن يتبعوا معها ذات السياسة، لكنها فوجئت أنها لم تواجه أي تعنت من جانبهم "الاحتلال ما كان بيعرف هالشئ ولا إني متطوعة"، حينما تعاود أنوار تذكر ما حدث، تنبسط أساريرها وتعرف كم أن القدر رحيمًا بهذا الطفل، حينما عوضه عن حنان أمه الغائب بوجودها، وترد الأمر برمته إلى كونه "تطوع وخير لربنا لازم ما يكون فيه مضايقة".






طوال 14 يومًا لا تني أنوار توفر للطفل الرضيع الرعاية الكاملة، تظل في رفقته لأكثر من نصف اليوم إلى أن يتمكن منها التعب والإعياء، تقوم خلالها بتوفير الرعاية الكاملة له "بطعمه وبغير له وبلاعبوا"، هذا الاهتمام الكبير فرض حيزًا من الألفة بينها وبين الطفل، فصار على رأس أولوياتها، فتضاءل إلى جوار ذلك الصعوبة المتخلفة عن حجم المسؤولية، والإرهاق المتولد عن طول المكوث بالمستشفى "ما فيه نوم ولا راحة تقريبًا"، لكن يخفف من حدة الموقف بالنسبة لها "إنه موجوع وفاقد للحنية".







أحاسيس جديدة طرأت على نفسية أنوار بمرافقتها للطفل الرضيع، حيث جعلتها تلك التجربة تجرب مشاعر الأمومة التي لم تتحقق لها لأنها لم تتزوج بعد، خاصة اللحظة الأولى التي احتضنت فيها الطفل، حين غمرها شعور بالراحة والطمأنينة "وقتها حسيت إنه ابني"، فلم تدخر وقتًا ولا جهدًا لمساعدته على تجاوز مرحلة الخطر، حتى انعكس الإحساس ذاته داخل الطفل الصغير، فصار يتعلق بها كأمه "يرفض غيري وبيبكي إذا حدا أخدوا مني".

في غمرة تلك المشاعر، لا تنقطع اتصالاتها مع أمه في غزة كي تطمئنها على حالته باستمرار عبر مكالمات الفيديو، تحكي أنوار أن الروح تُرد إلى أوصالها حينما ترى رضيعها يتعافى ويملأ جناحه بالمستشفى ضجيجًا وصخبًا "دايمًا تحكي لي إنه كتير مطمنة إنه معي"، فيما تخجل من الدعوات المكثفة وكلمات الشكر التي تذيل بها أم الطفل كل مكالمة، وتقول إن الرضيع ما يزال يقبع في المستشفى، حيث ينتظرون موافقة سلطات الاحتلال على خروجه، وهو ما يتراجعون عنه بسبب أعياد اليهود.







رسائل عديدة أرادت أنوار ارفاعية أن توجهها من خلال هذا الموقف، فتروي أن قوة الشعب الفلسطيني تكمن في وحدته وتماسكه، سواء كانوا في غزة أو في الضفة، وإن العراقيل التي يضعها الاحتلال أمام كلا الطرفين بحيث لا يتمكنوا من العبور إلى القطاعين، لا يجب أن تكون عائقًا أمامهم للتواجد في المواقف التي تسلتزم منهم دعمًا ومساندة "أهل غزة والضفة يسكنون أرضًا واحدة اسمها فلسطين"، وإن عادة الاحتلال دائمًا ما تأخذ الجانب المعادي للإنسانية.






أحدث ما قامت به أنوار صدى كبيرًا لم تكن تتوقعه، وتلقت الكثير من ردود الأفعال ممن حولها "الكل شكر ودعم وإجا يزورني أنا والطفل"، كما طلب بعضهم أن يرافقوا الطفل بدلًا منها، لكنها أذعنت لرغبة الصغير لشدة تعلقه بها، كما ساندتها عائلتها وقدمت لها كل الدعم الذي تحتاجه، على الرغم من مكوثها لساعات طويلة خارج المنزل.