أحمد ياسر يكتب: تحديات إقليمية أوسع نطاقًا كشفتها غزة

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

في خضم أزمة غزة المضطربة، تتأرجح المنطقة بأكملها على حافة انفجار بركاني.. وتمتد هذه الديناميكيات إلى ما هو أبعد من الصراع المباشر الذي تخوضه حماس من أجل البقاء والجهود الانتقامية التي تبذلها إسرائيل، والتي تهدف إلى محو إذلالها واستعادة مكانتها..

 في هذا السيناريو المعقد…تبرز غزة كشاحنة لوضع أكبر بكثير وأكثر انفجارا.

 

وهنا يبرز السؤال المحوري: هل ينبغي للدول أن تركب الموجة وأن تصطف استراتيجيًا مع المشاعر الشعبية السائدة، أو بالأحرى أن تتبنى موقف الانفصال عند معالجة أزمة غزة؟

قبل استكشاف الحلول المحتملة، لا بد من الخوض في أصول التطرف وارتباطه المعقد بمسرح الحرب... ويبدو أن الحروب غالبًا ما تنتج أرضًا خصبة لزراعة الإيديولوجيات المتطرفة.

وبالنظر إلى آثار الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على تنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2001، نجد أن التطرف قد ترسخ في نسيج المساجد والمنازل والمدارس في مختلف أنحاء المنطقة.

 

وقد تكرر هذا النمط على نطاق واسع بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، ثم انهارت قوات صدّام حسين في غضون ثلاثة أسابيع، وتم احتلال بغداد بسهولة.

وتحولت بوصلة المعركة بعد مرور عام، حيث نجح الخطاب المتطرف في جذب الآلاف من الشباب العرب للانضمام إلى صفوف تنظيم القاعدة وداعش في وقت لاحق؛ وبالتالي إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي، مما أدى إلى انسحاب القوات الأمريكية وصعود نفوذ إيران في المنطقة.

 

وبسبب عدم رضاها عن تأثيرها في العراق، واصلت الجماعات المتطرفة المضي قدمًا بين عامي 2003 و2010، ووسعت نفوذها إلى أكثر من نصف الدول العربية.

إن الأزمة الحالية في غزة ليست مجرد حدث قائم بذاته… إنها بالفعل جزء من حرب مستمرة، حيث يتولى القطاع دور الوكيل المشحون، على غرار الأدوار التي لعبتها أفغانستان والعراق والربيع العربي في الماضي، لقد أصبح من الواضح أن عددًا قليلًا فقط من الدول تمتلك القدرة على السيطرة على بيئاتها الداخلية وتحصينها في مواجهة المخاطر الناشئة.

إن المعارك الدائرة في شمال غزة والمآسي التي تلت ذلك تهدد بحجب الصورة الأكبر التي تتطور داخل المجتمعات العربية.

الموضوع المتكرر عبر الحروب الماضية، والصراع الحالي، هو استغلال هذه الأزمات من قبل قوى المعارضة لمحاصرة الحكومات والقوى الإقليمية.

 

هذه الكيانات التي تصر على محاولاتها المتكررة تعود الآن للمرة الأولى منذ الانتكاسات في العراق وسوريا وليبيا وهزيمتها في مصر.

ومع ذلك، ترسم كل دولة مسارًا فريدًا في معالجة الأزمة... وقد عارضت المملكة العربية السعودية، بشكل لا لبس فيه الهجوم الإسرائيلي على غزة، وقادت المبادرات الدبلوماسية، واستضافت مؤتمرات القمة العربية والإسلامية، إلى جانب الزعماء الأفارقة.

  علاوة على ذلك، فقد قامت بتسهيل تبرعات كبيرة، تجاوزت 500 مليون ريال سعودي (133 مليون دولار) – وهو رقم غير مسبوق في المنطقة. 

ومن الجدير بالذكر أن الأراضي الخصبة التقليدية للتطرف، مثل المدارس والمساجد والتجمعات العامة ووسائل الإعلام المحلية، لم تعد بمثابة بؤر خصبة كما كانت من قبل… وقد تضاءلت بشكل ملحوظ الدعوات إلى التطرف وتجنيد الشباب.

 

وقد اختارت بعض الحكومات المسار المعاكس؛ الانخراط في حرب مزايدة مع مروجي الخطاب الاستفزازي في محاولة لتوجيه الغضب العام واكتساب الشعبية.

  وتخاطر هذه الحكومات بتكرار أخطاء الماضي، عندما تجاوزت الإيديولوجيات المتطرفة التدابير الحكومية المضادة، عندما طالبت بقطع العلاقات مع الدول الغربية، وفرض حظر على الواردات، وتحدتها لمكافحة العنف والدعوة إليه.

 

وتشير السوابق التاريخية إلى أن مثل هذه التصرفات غالبا ما تأتي بنتائج عكسية، بغض النظر عن مصير غزة.. إن التضامن مع أهل غزة و"حماس"، لا يعني إعلاء الخطاب المتطرف وإطلاق الحملات الدعائية أو فتح المنابر الدينية والتربوية والإعلامية له.

 

ومن الواضح أن الجماعات التي تنظم الدعاية المتطرفة قد شحذت مهاراتها التنظيمية وأصبحت أكثر مهارة، وفي مشهد اليوم، أصبح انتشارهم أسرع بشكل ملحوظ، حتى وسط الاضطرابات التي شهدتها ثورات عام 2011.

وفي خضم الحرب المستمرة في غزة، يقوم المتطرفون بشكل استراتيجي بالترويج للرموز والأيديولوجيات، مستفيدين من شخصيات مثل أبو عبيدة وأسامة بن لادن، وحسن نصر الله، والعديد من الشخصيات الأخرى التي ظهرت بعد أحداث 7 أكتوبر.

 

بالنسبة لهم، غزة ليست قضية مركزية، بل هي تعكس الوضع في الفلوجة بالعراق… ومن المرجح أن يتبع مسار مصير غزة مسارًا مشابهًا، يتسم بالدمار، ويتلاشى عن الأضواء، ويترك سكانها يواجهون مصيرًا غامضًا.

وفي هذه الأثناء، تتجلى تصرفات إسرائيل في غزة في شكل هجوم انتقامي ووحشي، يستهدف في المقام الأول المدنيين الأبرياء… وهذا النهج يغذي عن غير قصد خطاب الجماعات المتطرفة، مما يؤدي إلى تضخيم نفوذها بين الجمهور.

 وبينما تظل إسرائيل غير مبالية بانتشار التطرف والمتطرفين، فإنها كثيرًا ما تستغل التطرف من خلال تصوير خصومها الفلسطينيين على أنهم كذلك.

 

وبالتالي، فإن المجتمعات التي تتسامح مع الخطاب المتطرف من خلال فتح منصات في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام، تواجه مخاطر متزايدة، وهذه المرة، فإن خصومهم هم أفراد ولدوا في العقدين الماضيين، ونضجوا داخل شبكات موسعة بلا حدود، ومسلحين بأدوات أكثر فعالية ومستوى أعلى من الخبرة.