ريهام الزيني تكتب: المدرسة الرمضانية النواة الحقيقية للثورة المنسية؟!

ركن القراء

ريهام الزيني
ريهام الزيني

 

 

لعلك عزيزي القارئ الطيب إستغربت عنوان المقال، وربما قولت: كيف تدعوني إلى الثورة والتمرد في ظل الظروف العالمية الإستثنائية التي تخوضها البشرية، ولكن لا بأس في ذلك فالمعني مطلوب كي يثير فضولك ويملأ عقلك ووقتك حتي تستمر في القراءة وتتلقي الرسالة بعمق، لطفا منك إنتظر وتمهل وكل شيء يسهل، وسأوضح لك، وربما تساهم أيضا في نشره.

 

 

 

بداية، عندما تسمع كلمة مدرسة، أول ما يتبادر إلى ذهنك دون وعي هو البناء المؤسسي الذي يتلقى فيه الطلاب العلوم الدنيوية  لتنشئة الأجيال والأمم والمجتمعات، وكذلك، ومنذ الوهلة الأولي عندما تسمع كلمة ثورة فأول ما يتبادر إلي ذهنك هو الصراع والتمرد علي الأوضاع السياسية والإجتماعية العالمية الظالمة، أليس كذلك؟.

 

 

 

عزيزي القاريء، دعني أصدمك قليلا بإعتقادي الذي ربما لا قيمة له في هذا الزمن، نحن نعيش في عصر قلما يفكر فيه أحد في أهم المدارس التعليمية وهي المدرسة الرمضانية، وأهم ثورة عالمية وهي الثورة الروحية الرمضانية وإنتفاضة الصوم السنوية والتي كثيرا ما يتم تجاهلها ويتهم من يطرحها بالحماقة والسخافة والدروشة والمثالية المرضية.

 

 

 

 

وبقصد أو دون قصد قد تتصاعد الأسئلة التي تدور في ذهنك، ماذا أتت لنا الثورات الروحية الرمضانية السابقة؟، ماذا يحدث؟، ماذا نفعل؟، وإلى أين نحن ذاهبون؟، وإذا كان هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه تم خداعك بإمتياز بأنك قد مررت بثورة روحية حقيقية، ببساطة لأنك قد لا تعرف المعني الباطني لكلمة ثورة أو مدرسة، لذلك فإنتبه وإنتظر وأكمل قراءة بعمق، لعلك تتفهم وتتمكن بعد ذلك من تصحح أخطائك إذا كنت سببا في ذلك.

 

 

 

 

حسب ما ورد في أهم معاجم اللغة العربية تجد أن كلمة "مدرسة" لغة مصدر كلمة "درس"، ودرس الشيء أي جزأه وطحنه، أما إصطلاحا تعني تجمع فرد أو مجموعة في مكان أو زمان لدراسة وتعلم شيء ما بقرأءته وتدبره وتفكره وتكراره لفهمه وإستعابه وحفظه، فعندما يقال فلان من مدرسة فلان يعني ذلك أنه على رأيه ومذهبه ومنهجه، فهل كنت تعتبر شهر رمضان مدرسة بهذا المعني، مدرسة ربانية المنهج نتزود فيها كل العلوم لسنين عمرنا في الدنيا ولحياتنا في الأخرة أم يمر عليك كل عام كغيره من الأيام.

 

 

 

 

 

ورغم أن مفهوم الثورة لا يزال يثير جدلا واسعا بين المفكرين لإختلاف الثقافات والمعتقدات، الإ أن وبحيب ما ورد في معاجم اللغة العربية نجد كلمة "ثورة" لغة مصدر كلمة “ثور” وفعله "ثار"، وتشمل هياج، إثارة، غضب، فالثور حيوان ثديي هجين أقوى وأكثر عدوانية من عائلة البقريات، ولذلك جاءت منها صفات كلمة "ثورة" بكل معانيها المتداولة والمترادفة، أما إصطلاحا تعني تحول فردا أو مجتمعا يشهد تغيرات مفاجئة مرتبطة بعدم الإحساس بالراحة والرضا، مما قد يصل إلى حالة من الغضب علي بعض الأوضاع القائمة، والخروج والعمل من أجل التغيير في ما هو خير منه، فهل كنت تعتبر شهر رمضان إعلان ثورة بهذا المعني، ثورة روحية سنوية ربانية المنهج، تطهيرا للنفس، وإشباعا للروح، وتغذية للقلب، وتفسيرا عميقا للدين، وفهما صحيحا للوجود، ومعرفة مفتاح سر الأسرار وراء الأحداث العالمية الراهنة، ودورك الأساسي في الحياة وفي تلك الأحداث، أم يمر عليك كل عام كغيره من الأيام.

 

 

 

 

المدرسة الرمضانية هي النواة الحقيقية للتربية والتعليم، تأتي لزيارتنا كل عام لتقف معنا وقفات جادة وسط صخب وملهيات الحياة بمغرياتها وشهواتها، لتجدد غرس القيم والخصال الحميدة، لفتح صفحة جديدة مع الله والنفس والوطن، وطي صفحات الماضي بكل عيوبها وشوائبها، حتي تكون مؤهلة لنظر الله من جديد.

 

 

 

الثورة المنسية، الثورة الروحية الرمضانية والنواة الحقيقية للإصلاح والتطوير والتطهير، ثورة تختلف إختلافا جذريا عن باقي الثورات الدين والدنيا المتعارف عليها، لما لا وهي التي ترتكز علي فكر إستراتيجي رباني نوراني خاص جدا، ويتقوم علي طرق ووسائل للتخطيط والتطوير لإعداد النفس والروح وتهيئة الجسد بمعرفة الفلسفة الحقيقية لهذة الأيام المباركة، لسد جوانب النقص التي نحتاجها لتصحيح المسار، وتكون نفوسنا وأرواحنا مؤهلة لنظر الله من جديد.

 

 

 

وليس عبثا عندما أنظر إلي هذة الثورة الروحية التي تحمل رسائل خفية عن علاقة العبد بربه، والتي بلغت ذروتها في صدر الإسلام، بإعتبارها أهم الثورات الكبري الحقيقية في الأمة الإسلامية والعربية والإنسانية.

 

 

 

 

والحقيقة التي لا يمكن لعالمنا المعاصر أن يتقبلها هي أن الثورة الروحية الرمضانية المنسية هي أول ثورة شاملة حقيقية يجب أن تنطلق شرارتها من الآن فصاعدا علي أهل الظلام، وأروقة الإستبداد، ومصارع الإستعباد العالمي الباطني المقنع بقناع شيطاني دجالي جديد.

 

 

 

وبفكر عميق ودراية تحليلة مستنيرة يمكن تلخيص الأسس الإستراتيجية للمفهوم الحقيقي للمدرسة الرمضانية نواة الثورة الروحية الرمضانية المنسية، لما لا، وهي نقطة الإلتقاء بين المسلمين وأتباع الشرائع والعقائد الأخرى، لما لا، وهي الرغبة في الإستغناء عن الثروات التي كانت ثمرة الفتوحات، لما لا، وهي المظهر الذي أعلن فيه الإسلام عن روحانية الحقيقية الصادقة، لما لا، فهي مدرسة جاءت لتضع الأمور في نصابها الصحيح، وثورة روحية توجه مشاعر الإنسانية للوجهة التي تجعلها أداة للخير والتعمير، وتصلح ما أفسده الأخرون في شرائع الأجداد السابقين، لتغير الفاسد وتحافظ على الصالح النافع.

 

 

 

إنها المدرسة الحقيقية لكل مسلم ومؤمن، ولا يستوي من لا تتجاوز إهتمامه بتكديس الأطعمة والحاجات، ومن يجعل إهتمامه تنقية النفس وغذاء الروح والإقبال على الله بحب وسعادة وإخلاص، فمن إغتنم هذة المدرسة الرمضانية لإعلان الثورة الروحية المنسية سوف ينور الله بصيرته للكثير والكثير من الحقائق والأسرار الدنيوية والشرعية بل واللدنية وتوظيفها في حياته الدنيا وأقفل عنه سجن الدنيا والأخرة.

 

 

 

فمن ضاق به الحال وعجز، فالصوم الصوم العميق في هذا الشهر الفضيل عن سائر المفطرات مما يقيه من شر الموبقات الجامحة والفتن العالقة والمتناقضة الظاهرة منها والباطنة، وليكون شهر رمضان الحالي فرصة ذهبية ثمينة، والخطوة الأولي لبدء علاقة جديدة مع الله من أجل تطهير النفس والتغيير الحقيقي للوطن والأمة والعالم أجمع التي تستمر طوال العام.

 

 

 

فهل إعتبرت رمضان فرصة للإعلان عن ثورة روحية حقيقية بهذا المعني أم يمر عليك كل عام كغيره من الأيام، ماذا أعددت لهذا الشهر الكريم وهذة الثورة الروحية العظيمة، هل أعددت نية وعزما صادقا بين يديه؟، هل بحثت عن قلبك، لتعرف مدي عزمه وصدقه؟، أسئلة يجب أن تطرحها بسرعة، أدرك نفسك وسارع وغير حياتك قبل فوات الأوان، اللهم بلغت اللهم فإشهد.